ليس هناك نبي إلا ويرعى الأغنام، مهنة الأنبياء، سياحة في عالم آخر، إطلاق الأفكار من رأسه، السباحة في الفضاء، التجوال في أطراف الكون الفسيح، التجوال استجابة لعظمة الله، ليقود الحائرين، ويشفع فيهم، فيقبلهم الرب في حظيرته، الخراف الوديعة التي يخافها. دماء رقابهم على الأرض. البراءة، يحاول الأنبياء أن يحاصروا الإنسان، حتى لا يفلت من أيديهم، ثم تجده الذئاب وتقتله…
- دار بونهامز تبيع لوحة "القدس" فى مزاد فنون الشرق الأوسط.. اعرف ثمنها
- مصطفى شوبير يواصل الغياب عن الأهلي أمام شباب بلوزداد الجزائري
ما من نبي إلا وقام بعصاه على رأس جبل، فوق التلال، في الريف، في السهول والأودية، يضرب الصدر، فيكشف ما فيه من داء، ويمس بعصاه المكان من الداء بالأدوية والكلمات هم أطباء الروح، يقهرون النفس، يعالجونها ويزيلون أي رواسب من باطنها. تركته الذئاب في الحظيرة، وتجاهلهم قومه.
يعيدون ما تم طمسه منذ الهجوم الغاشم: صيانة الحظيرة، الحفاظ عليها، إبقاء الذئاب بعيداً عن متناول مخالبها… مهنة الأنبياء، الرعاية، الرعاية، السعي وراء بقاء القطيع، يا لها من مهنة شاقة. يهرب الناس إلى ما يضرهم، وأحياناً كنت أشعر أنني أيضاً نبي. أقف في مذبحي، أقدم النصائح، أتجول من بين خرافي، المصارع الذي ينتظرها، أفكر فيما يحيط بي، لقد أرسلني الرب، لأحرس قطيعي، أسافر في الفضاء، كما فعل الأنبياء، أرقب عظمة الكون المحيط، أتركه لأفكاري، طافيا في الأشياء، خاليا في ناسك مكشوف، تظلني السماء بسقفها الواسع، الأرض تمتد فوقي، أصعد وأنزل، أسلك كل الطرق، ثيابي الممزقة، ثيابي الأنبياء، قدمي الحافية، أقدام الأنبياء، وجهي مغمور بتراب الأرض، عيني عندما ترى ما هو فالخفي أكثر مما يظهر.
أرى الأصوات التي تأتي إلى أذني. لهم ترنيمة خاصة، تراتيل تتغنى بها الكائنات، تستغيث، تشتكي من ظلم الإنسان، عندما تمد يدها لتشويه الحياة، تستمع بفساد. عندما يأتي العسر، تقتلع جذور الأشجار الضعيفة، وتهب العواصف، وفي الشتاء كانت الأصوات القارضة كأصوات اعتراض، شكوى موجهة إلى الرب، تحملها الرياح، تمزق الهواء، أنين يرتجف. يخرج. أستمع بقوة، ويجب أن أكون نبيا. أستمع إلى الأصوات وهي تستعد للتغيير، ولرفع رسالة الخير بين الناس، وأأخذ مكان الأنبياء. أقف بكرامة، شعري المجعد، ومخالبي الرفيعة، وعيني الضيقتين، تطفو في الفضاء. أتساءل ماذا كان يفكر الأنبياء؟ عندما يقفون مثلي على قمم التلال والجبال ويراقبون الوجود، ماذا سيتبادر إلى ذهنهم؟ ما هي نهاية التأمل الذي يحيط بهم؟
- الأهلي يستطلع رأي كولر حول عودة محمد شريف فى الميركاتو الشتوى
- دار بونهامز تبيع لوحة "القدس" فى مزاد فنون الشرق الأوسط.. اعرف ثمنها
لكني لست نبيا؟ ماذا أعرف عنهم، وماذا يشعرون ربما رأوا أشياء لم نرها نحن، وإذا نظرنا إليهم عن كثب، يرون بأعين قلوبهم، لأن قلوبهم بالتأكيد ليست مثل قلوبنا؟ إنهم أنقياء وأبرياء، خلقهم الله بعينيه، وأدبهم بطرقه. الشر، بين اليأس والأمل، الفرح والحزن، هل كنا خليطاً من كل هؤلاء أم كانوا؟ عيوبهم طفيفة وقليلة، وضميرهم النقي يملي عليهم كل خير ورحمة ولطف. صدورنا تغلي بالتناقضات مثل المرجل، وصدورها كالماء العذب يسيل ويسيل، لتسقي وتبعث الحياة. الموت ليوقظ نفوسهم، وينير لهم الطريق، فيطلبون العلم والنور والهدى. هم أعلى درجات الناس أقرب ما يكون إلى السماء وروائحها، أما نحن من الأرض فيغطي غبارها وجوهنا، ويلتصق في نفوسنا. هناك الكثير من الطين وأشباهه، ونستمر في إزالة ما نستطيع مما علق بنا، حتى لو كان كثيرًا، ولكننا نستمر في تنظيفه، حتى نظهر في صورة الأنبياء ولو للحظات بسيطة.
وأنا أقف الآن، أشعر بهذه اللحظات، وأحاول أن أعيشها، كما عاشها الأنبياء، أجسد الرب في تلك اللحظات فقط، أمشي على الأرض بعصاي، أحملها وأضعها على رأسي، كلمات مباشرة إلى قطيعي، وأنتم يا أبناء البهائم تفرحون في ذلك المرعى الفسيح، تأكلون وتستمتعون. ولا يشكر، وليس همك إلا ملء بطنك. من العشب، من المرعى، ثم تذهب إلى النهر لتروي عطشك. ألا تنظرون إلى السماء لبعض الوقت، ووجوهكم دائمًا إلى الأرض، تبحثون عن المرعى؟ ؟ تولد وتكبر، وتحملك قدماك إلى حيث تريد، ولا شيء يساعدك سوى معدتك، تسعى إلى أن يملأها جمال صوت الموسيقى، وزقزقة العصافير، وصدى الأصوات التي تجذب انتباهك، ولا يحركك شيء مما يحيط بك من جمال وبهاء، لا يحرك أعماقك شيء، شيء واحد تقف له ساعة رؤيته، أنت خرابي، الموت حتميتك القدر مثل كل كائن حي، تبعثر الأيام والسنين، تبحث كما يصلب الجسد، وتنسى ما يقوي عزيمة الروح، اللعنة عليك أيها الطفل الحيوان، لسوء حظك هبت نسيم شارد يوقظني من حيث كنت.
ماذا يجب أن أفعل مع القطيع بحكمة؟ ماذا لو رآني والدي أو أخي لقد استعدت وعيي بعد أن لم تكن المرة الأولى التي تظاهرت فيها بشيء هنا مع قطيع من الأغنام يشغل تفكيري عن الأشياء ولكن لا بأس طالما أنني وحدي ولا يراني أحد فهي ستفعل فلا تفضحني أو تدلني على أحد، ولعلها تستمع إلى جنوني. ذلك، وقد اعتدت على ذلك من خلال لمحة عن مجموعتهم، عندما أخرج معهم في الصباح. أحيانًا أشعر أنهم يشعرون بي أيضًا، وأنني أعظهم بالكلمات، وتستمع إليهم باهتمام قليل، ولو قليلاً. ولا يستهزئون بي، وعندما أكلمهم بهذه المواعظ، وأقوم بدور النبي، أعود إلى ظل الشجرة، منهكًا من الموعظة. وأتخيله في الشمس وأتنفس. ربما نام الأنبياء في فترة ما بعد الظهر. خوفا من الضياع. قلوبهم لا تنام. قلبي لا ينام. أشعر بضخ الدم، ولا يتوقف ولا ينام، يوقظ جسدي، إذا… كان هناك خطر لا يهدأ يلوح في الأفق، يخبرني دون أن يتكلم، دون أن يتكلم، دون حروف أو كلمات بمجرد أن كان صوته العالي بلا صوت. صوت. هو… صرخة في أعماقي، تحذرني مما يجب أن أفعله، وتحذرني من اقتراب شيء يهددني، فأأخذ احتياطاتي. ، أستعد للقاء شيء لا أعرفه، لكن صوته يأتي بلا شك في البداية، تجاهلت صوته، ثم حدثت الكارثة، وأعاقب على ما تجاهلته. أدركت أن ذلك الصوت الخفي حق، وأنه ليس هوساً. تعلمت منه أن الحقائق قليلة وأن ما يأتي منه لا يأتي منه باطل. ومن خلاله، وعشت تحت حمايته. أتناول بعضاً من طعام أمي الذي تعده لنا كل يوم، وأرتشف رشفة من الجركن المحاط بالجوت، لإبقاء الماء بارداً الذي أحضره من الشارع واللعب معها أهملها كثيراً اليوم. ، وربما هي غاضبة مني الآن.