يتحدث محمود درويش عن طفولته فيقول: “طفولتي هي بداية مأساتي الخاصة التي ولدت مع بداية مأساة شعب بأكمله قضيت طفولتي في النار، في الخيمة، في المنفى، كل ذلك في مرة واحدة.” نام الطفل محمود ليلة مليئة بالدفء والحب، فوجد نفسه يركض مع ابن عمه نحو بساتين الزيتون ثم الجبال. وبعد ليلة مليئة بالرعب والعطش، يجد نفسه في لبنان. تلك الليلة التي وصفها درويش بأنها النهاية الحاسمة لطفولته، وسرعان ما أدخلته إلى عالم الرجال، جردته من الأشياء واللغة التي ميزته عن عالم الكبار، وتغلغلت مفردات جديدة في عالمه الصغير “الحدود، اللاجئون، الاحتلال، العدوان، العودة، وكالة الإغاثة، الصليب الأحمر.” “، صحيفة، راديو”، وكأن ارتباطه المباشر بالقضية الفلسطينية بدأ باعترافه المفاجئ بتلك الكلمات؛ فقد موهبة اللعب وتسلق الأشجار وقطف الزهور ومطاردة الفراشات، فاعتمد على الصمت والتأمل الذي أصبح موهبته الأولى، مما دفعه إلى كتابة الشعر الذي نتج عن الانشغال المضني بهموم هؤلاء الجدد. كلمات وسط مناخ مرهق من الغربة والنفي والغضب والشكوى والحرمان وكراهية العدوان، وبعد عودته إلى فلسطين لاجئ في فلسطين!! كتب قصيدته الطويلة الأولى، اقتدى فيها بالمعلقات، وكانت عن العودة إلى الوطن، وبعدها نُشرت بعض جهوده الشعرية الأولى في بعض الصحف.
- الترميم يعيد كنوز مصر.. إصلاح لوحة الفلاحة المصرية بعد تعرضها لحريق
- وزير الثقافة وقرينة الرئيس الصربى يشهدان الحفل الفنى ضمن فعاليات أيام الثقافة الصربية فى مصر
وعلق درويش وعبر عن فرحته ببداية نشر شعره: “حدقت طويلا في اسمي المطبوع في الجريدة، وأسعى جاهدا إلى طباعته مرة أخرى”. وواصل درويش كتابة الشعر باجتهاد ومتواصل، حتى أن الشعر كان يشغل معظم وقته خلال تعليمه الثانوي، لكنه -كما وصف نفسه في تلك الفترة- كان يتأثر بسهولة بالشعراء الذين كان يقرأ لهم، وانجرافه وراءه. الموسيقى جعلته ينسى الفكرة أو يفقدها. لكن كتابة الشعر في تلك الفترة المبكرة من حياة درويش كانت – في رأيي – استجابة عميقة لمخاطر “غسيل الدماغ الثقافي”، على حد تعبير درويش، الذي يفسر ذلك بالقول: “لقد تعلمنا أكثر عن تيودور هرتزل مما نعرفه عن النبي محمد – صلى الله عليه وسلم.” – الأمثلة التي ندرسها من شعر حاييم نحمان بياليك أكثر بكثير من نماذج المتنبي، ودراسة التوراة واجبة، لكن القرآن غير موجود. وفي ذلك المناخ الظالم والمضلل، نمت قدرات الشاعر على التحفيز والتحدي والإيمان بأهمية ربط الشعر بقضية الوطن والدفاع عنه في مهمة الشاعر استعادة الوطن المسروق، وأصبح الشاعر منتسباً إلى كل الثورات. في العالم، وخاصة الثورات العربية وأعمال المقاومة الشجاعة التي قد لا تنتهي بالنصر، ولكنها تشمل الموت بالموت نعتقد كمبدأ. فعل الاستشهاد وطقوس القيامة والحياة؛ ولذلك يقول درويش في نهاية قصيدة “عناقيد النور” وهي تحية حب للجزائر من ديوانه الأول “طيور بلا أجنحة” الصادر سنة 1960:
- وزير الثقافة وقرينة الرئيس الصربى يشهدان الحفل الفنى ضمن فعاليات أيام الثقافة الصربية فى مصر
- اتكلم عربى.. تاريخ اللغة العربية بين النقوش والتوثيق
- جائزة الشيخ حمد للترجمة تنظم ندوة "العربية والبلوشية"
أيها النسور، لقد قصمت أيادي غريبة بعض أجنحتها
في سماء المغرب
انهارت وهي تغني في يد الموت
يد الموت تغني
كلمة الموت هي الحياة في شفاه العرب
وقلوب العرب
وراءها حياة الملايين والده
قام شهيد الفجر وأحيا
في أرض خلق فيها الموت حب الحياة
وإذا حذف محمود درويش مجموعته الشعرية الأولى طيور بلا أجنحة من أعماله الكاملة والموثوقة لأنها كانت تعبيرا عن جهود غير متبلورة لا تستحق المواجهة، فإن هذه المجموعة تعبر في الوقت نفسه عن انتماءاته المبكرة وسيصبح التأثير الواضح هو شعره. تطوير بقايا الصيغ الكلاسيكية بالإضافة إلى تأثير علي محمود طه ونزار قباني، انتقل فيما بعد إلى التأثر بتجارب العصر الحديث. ومن الشعراء الطفيلية الذين أشار إليهم وهم عبد العلي. الرحمن. الشرقاوي وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي ومعين بسيسو، ليبدأوا مرحلة ديوانه الشعري الثاني “أوراق الزيتون” الذي صدر عام 1964. يبدأ الشاعر في البحث عن صوته الخاص، ليتخلص من بقايا النغمات الكلاسيكية القديمة، والنغمات الرومانسية الناعمة مع شحناتها العاطفية المنهكة، وما تطلبه من عبارات خليلية مقفىة، مؤلفة بالقلق بصياغات نشطة ذات محتوى ثوري و بداية الشعر تحمل المقاومة. وينتقل الشاعر -حسب وصفه لتجربته- من صفة “الثوري الحالم” إلى صفة “الثوري الأكثر وعيا” في غنائه لآلام الشعب والوطن والوطن، ويحث. رفض الوضع الراهن، والتأكيد على صمود الشعب الفلسطيني في وجه التعذيب المستمر الذي لا ينتهي الذي يتعرض له. ولذلك نراه يبدأ جمع أوراق الزيتون بهذه اللهجة القاسية الغاضبة المتحدية:
- وزير الثقافة وقرينة الرئيس الصربى يشهدان الحفل الفنى ضمن فعاليات أيام الثقافة الصربية فى مصر
- جائزة الشيخ حمد للترجمة تنظم ندوة "العربية والبلوشية"
الزنابق السوداء في قلبي
وفي شفتي اللهب
من أين أنت
يا كل صلبان الغضب
لقد تعهدت بالولاء لأحزاني
صافحت التشرد والغرور
يدي غاضبة
أصبح فمي غاضبا
والدم في عروقي
عصير الغضب
قارئي
لا تطلب مني أن أهمس
لا تأمل الفرح
هذا هو عذابي
ضربة طائشة في الرمال
وأخرى في السحاب
أعتقد أنني غاضب
بداية النار الغضب