اليوم الذكرى الـ43 لوفاة الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور أشهر من كتب قصائد عن الحزن. توفي في 13 أغسطس 1981 عن عمر يناهز الخمسين من رواد حركة الشعر العربي الحر، وأحد رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربي.
ورغم أن صلاح عبد الصبور انتقد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خلال حياته في قصيدة “عودة الوجه الكئيب”، إلا أنه لم يمتدحه قط، بل انتقده في مسرحه الشعري، في أعمال مثل “مسافر الليل”. “الأميرة تنتظر”، و”بعد أن يموت”، لكن كل هذا لم يمنعه من كتابة قصيدة رثى فيها القائد بعد شعوره بالخسارة الكبيرة لفقدان هذا الرجل، وعنوانها “الحلم”. والأغنية” التي يقول فيها..
لا لم يمت ..
وتبقى شذرات الحديث ممزقة في الضمائر
النوم في سلام
حتى تصبح أحزانها أجنحة،
تطير بكلمات مرهقة تمضي ويوقفها الهواء.
يعيدها ليتردد صوت مدينة الموت الحزينة داخل أسوارها
أصوات عائلتها جعلتها تبكي
ويجتمعون على موائد الفقراء
تعرض للتعذيب والضرب
لقد سقتهم الدموع، وكان خبزهم الآهات والآهات
بين الدمعتين يسألون أسئلة،
إنهم حفيف مثل أوراق الخريف الذابلة
هل مات من وهب الحياة حياته؟
مات حقا؟
ماذا سنفعل بعد ذلك؟
ماذا سنفعل بدونه؟
مات حقا؟
تتجمع الكلمات حول اسم سري كالنبض في شريانها
عشرين عاما
لقد كان ملجأ لهم من الليل القاسي
لقد كانت تعويذة رجل مريض
كان حلم أسرة المرض، وأغنية المسافر في الظلام
كان مفتاح المدينة للرجل الفقير، وقد قدمه حراس المدينة
عن والد زوجها
كان موسمها
يأتي وينثر ألف خيط من الخصب، فتزهر في أجمه
وكان يحب أن يذكر أعماله كل ليلة
للمتعبين النوم بنصف ثوب ونصف بطن
صيف الحب والأغنية والأمنية والكلام
الآن أصبحت كل كلمة خنجراً، وكل أمنية أصبحت عذاباً
لقد مات فحزنا عليه
أوه، لو أنه سيعود للحظة وينظر بعيدًا،
غدا يكشف بعض الضباب
أوه، ولكن كيف تحول إلى الغبار؟
ولم يحن الوقت للعودة
القول يخرجنا.
دعونا نلتزم الصمت
وفي الصمت حزن وسلام
الصمت أجمل شيء عندما يصبح وسيلة الكلام
يؤدي إلى نار الوجود أو إلى ماء السراب
فالذكرى الصامتة تقودنا إلى أعماق نفوسنا الممتلئة.
الظلال خلط ورق اللعب
ونتجول في ما كنا وما كان
سيعود وقتك
ونذهب لنخفف الألم وننشر في ظله حياتنا
يوما بعد يوم
الصفحة الأولى:
لقد كان مجيئه بمثابة وعد بالزمن.
ألف سنة لن تدوم لمصر
وبسط الليل ظلمته علينا مظلماً ظالماً
إن الثورة العظيمة وهم ووهم ورؤى خيالية
حتى خرجت، خرجتما أنتما، الثورة العظيمة، وأنتما
وكأن مصر الأم قد نامت،
لتستعيد شبابها ورؤى شبابها
كأنها احترقت.
ليتم تنقيته ثم يولد من جديد في اللهب
وأنت شرارة التاريخ خرجت من رحمها
أن تشعل النار في كل شيء من نورها
نعيش أيامنا مليئة بصوتك تغني لغة عذبة
لإيقاظ الأجداد الموتى،
أشباح الانتصارات تنبثق من تحت أنقاض العالم المدفون
قديم
ليعود إلى الوادي، ويتربى في ثروات مصر الجديدة
والكبيرة
ونعيش أيامنا مليئة بيومك، واسعًا بقدر الأمنيات.
وضيقة بالحجارة والأشواك الدموية والرماد
أيامنا مليئة بأصداء انتصارك.
اجتاز سهمنا القديم نطاقه منتصرا وعاد
أيامنا مليئة بألم انكسارك..
الشمس والبدر شارتان على رداء محمد عاش الجهاد
لا، لم نعيش كما عاشوا، نقضي أياما إلى يوم القيامة
ما عشناه بدلاً من ذلك هو التاريخ، مثل أروع ملاحم التاريخ
ساحة تصدح فيها أغاني التسبيح المدوية، وزئير الخيول
إننا نعيش أيامنا المليئة بأثر خطواتك في وادي المؤمنين
لقد كنت فرحتنا الكبيرة عندما حملت الحلم بين يديك.
رشه على أسرة الأطفال والضعفاء
أو في أطراف بيت مصر على رؤوس شبابه المجتمعين
إذ مددت لهم أعناقهم وقرأت أبصارهم
الى السماء
يمد خيط الأمنيات ليلتقط الشمس من علوها
حتى نتمكن من السعي بالتأكيد لمشاركة نوره بين أحبائنا
سنعيد ما دفنه الزمن، وتركته سنين طويلة
نعيش أيامنا المليئة بصورتك التي عاشت على رموشنا
عشرين عاما
سنلتقي بك شاباً يرتدي ملابس الحرب وينفخ في البوق
صحوة القطع تعيد توحيد مصر المستعبدة
بمرور الوقت، تمزق بالتأكيد إلى قطع
لذلك طفت على طول مجرى النيل والتقطت دمعة تلو الأخرى
حتى نهضت، نهضت، ألقيت التابوت في اللهب المشتعل
لقد وعدت أن تكون في صحبة جيدة
سنلقاك شيخاً أشيباً في عصر النبوة
وترتفع أواصر الأخوة
وفي عينيك شوق النيل إلى الأنهار،
وقومه في حيرة من قلة العروبة
وجعل المدن القريبة
لقد تغيرت مع مرور الوقت،
لقد أصبحت مدنًا غريبة
سنلتقي بك في الخمسين، أكثر حكمة وحزنًا
أصبح أفراد الأسرة منفصلين ويكرهون بعضهم البعض.
لقد أخلف النصر وعده، والله يلهمنا السبيل.
فإنه يقوي المؤمنين
إله! ما رعب السنين
الضيقة العظيمة، يغيب وجهك، ويتعمق الليل
والحزن
هل مت لا، لقد رجعت عندما تجمع المنكسرون
خلف نعشك
هتف بالإلهام:
مصر تحيا .. مصر تعيش ..
لذلك تعيش، أنت جزء من ثروته
بل ترجع إليه قبضة منه فتعطيه إياها فيعطيها جعبته
ويسري نبض الروح في بقايا ترابها وزبد دمها
لقد رعتك مصر المنتجة، ثم رعتك، ثم جعلتك خليفة لها
ثم اصطفتك لحضنها،
لتصبح أغنية ترفرف في هوائها.