“مصر هبة النيل” عبارة مشهورة رددتها أجيال مختلفة، ترجع إلى المؤرخ الشهير هيرودوت المعروف بـ “أبو التاريخ” وهو مؤرخ يوناني عاش في القرن الخامس قبل الميلاد (حوالي 484- 425 قبل الميلاد)، وعُرف بوصفاته للأماكن والأشخاص من مختلف الحضارات التي زارها، بما في ذلك الحضارة المصرية القديمة. كتب هيرودوت كتاب التاريخ في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد، ويعتبر هذا الكتاب أول سجل تاريخي معروف في العالم. وتناولت العديد من الأحداث التاريخية المهمة، مثل الثورة الأيونية عام 499 قبل الميلاد، وتاريخ الفرسان الرحل في أوراسيا.
على الرغم من أن أعمال هيرودوت تحظى بالاحتفاء والتقدير على نطاق واسع، إلا أن بعض الباحثين يعتقدون أن كتاباته تحتوي على الكثير من الأكاذيب والمبالغات. ويعتقد أنه قدم مجموعة واسعة من الأساطير والقصص التي قد لا تكون صحيحة، وكان يميل في بعض الأحيان إلى تفضيل اليونانيين على حساب المصريين. بعض قصصه تأتي أيضًا من السكان المحليين في البلدان التي زارها، مما يجعلها عرضة للتشويه.
وفي مقدمة كتاب «الحياة الاجتماعية في مصر القديمة» للباحثين حسن محمد جوهر وعبد المنعم عبد الحليم، يشيران إلى أن حياة الشعب المصري شوهتها أيدي المؤرخين الأجانب ومن بينهم هيرودوت. زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد أثناء الاحتلال الفارسي وكتب عنهم بطريقة تقلل من حضارتهم، واصفا إياهم بالبدائيين الذين يعبدون التماسيح والعجول والقطط. هذه الصورة المشوهة التي نشرها هيرودوت وغيره من الروايات الكاذبة تكررت لعدة قرون.
وفي كتابه “أشهر أساطير الفراعنة” يقول د. شريف شعبان، مغالطات مرتبطة بالتاريخ القديم، مشيرًا إلى أن هيرودوت وآخرين نقلوا معلومات عن المصريين بشكل سطحي ومبالغ فيه. وأوضح أن هيرودوت زار مصر في أسوأ حالاتها، عندما كانت تعاني من الانهيار الحضاري والانحدار الاجتماعي. لم يكن هيرودوت عالما ولا أكاديميا، بل كان رحالة جمع معظم محتوى كتبه من محادثاته مع الكهنة وعامة الناس، الذين تحدثوا عن زمن مضى منذ آلاف السنين. ولهذا يرى البعض أن لقب “أبو التاريخ” لا يناسبه.
- الفنون والحرف الشعبية في اليمن.. جديد الثقافة الشعبية بهيئة الكتاب
- ماذا كتب يوسف إدريس عن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب والأوبريت؟
في المقابل، دافعت الباحثة جينيفر تي روبرتس في كتابها “هيرودوت: مقدمة قصيرة جدًا” عن هيرودوت، مشيرة إلى أنه كان يشير أحيانًا إلى أنه كان ينقل ما قيل له من مصادر مختلفة، وأنه لم يفعل بالضرورة كل شيء. لا يعتقد. سمع. وترى أن هذا المنصب سمح له بتقديم أعماله ليس فقط كتاريخ سياسي وعسكري للحروب الفارسية، ولكن أيضًا كتاريخ اجتماعي وفكري للعالم المعروف في ذلك الوقت. كما تشير إلى أن الأبحاث الأثرية الحديثة أكدت صحة الكثير مما جاء في كتاباته، وأن علماء المصريات ما زالوا يكتشفون دقة معلوماته.