مقدمات الكتب.. ما قاله محمد عنانى فى "نجيب محفوظ فى عيون العالم"

نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف مع كتاب “نجيب محفوظ في عيون العالم: تحية له في عيد ميلاده التسعين” لمحمد عناني وماهر شفيق فريد. وماذا جاء في مقدمته؟

عرض تقديمي:

وكما قلت في كتابي “فن الترجمة” – وواصلت تكرار ذلك في كتبي اللاحقة عن الترجمة – فإن المترجم كاتب من منظور لغوي، وبالتالي فكري. الترجمة هي في الأساس إعادة صياغة فكر كاتب معين في كلمات لغة أخرى، مما يعني أن المترجم يمتص هذا الفكر حتى يصبح جزءا من جهاز تفكيره، في أشكال تنتقل من مترجم إلى آخر مختلفا فهو يعيد صياغة هذا الفكر الفكر بلغة أخرى، نجده يستخدم ما أسميه جهاز تفكيره، ويكون متصلاً بهذا الجهاز. الجهاز ليس لغوياً فقط، بل هو فكري ولغوي، فاللغة ليست إلا تجسيداً للفكر، وهي تجسيد يحكمه مفهوم المترجم عن النص المصدر، ومن الطبيعي أن يختلف المفهوم باختلاف. الخبرة الفكرية واللغوية للمترجم. فعندما يبدأ المترجم في كتابة نصه المترجم يصبح ثمرة ما كتبه المؤلف الأصلي مع مفهوم المترجم الذي يأخذ لغته الخاصة ثم يتلون إلى حد ما بتفكيره الخاص، بحيث يصبح النص الجديد فيصبح مزيجًا من النص المصدر والغطاء الفكري واللغوي للمترجم، مما يعني أن النص المترجم يكشف عن عمل مؤلفين؛ المؤلف الأول (أي مؤلف النص المصدر)، والمؤلف الثاني (أي المترجم).

وإذا كان المترجم يكتسب أبعاد المؤلف بشكل واضح عند ترجمة النصوص الأدبية، فإنه يكتسب بعض تلك الأبعاد عندما يترجم نصوصا علمية، مهما اجتهد في الابتعاد عن تفكيره ولغته. وتختلف هذه الأبعاد بحسب مدى وصول المترجم إلى لغة العصر وفكره. لكل عصر لغته المشتركة، ولكل مجال علمي لغته الخاصة. ولذلك تختلف أساليب المترجم أيضًا من عصر إلى آخر، كما تختلف بين ترجمة النصوص الأدبية والعلمية.

وليس هناك دليل أوضح على ذلك من مقارنة أسلوب المؤلف عندما يؤلف نصا أصليا بأسلوبه عندما يترجم نصا لمؤلف أجنبي. ولكل كاتب، سواء كان مترجما أو كاتبا، أساليب أسلوبية يعرفها القارئ حدسا، ويعرفها الطالب من خلال التحقيق والبحث. ولذلك فإن بعض النصوص الأدبية ترتبط بأسماء مترجميها، كما ترتبط بأسماء المؤلفين الذين كتبوها. وقد فصّلت هذا القول في كتبي عن الترجمة وفي مقدمات ترجماتي الأدبية. ولذلك قد يجد الكاتب نفسه يقول عبارة مستمدة من ترجمة معينة، ويتخيل أنها عبارة أصلية أنشأها مؤلف النص المصدر. وهذا القول إذا كثر في النصوص المكتوبة فإنه ينتمي إلى اللغة الهدف (أي لغة الترجمة) كما ينتمي إلى لغة المؤلف التي يخلقها ويرى وجودها في نظامه الفكري. وكثيراً ما تتسرب بعض هذه الأقوال إلى العامية وتحل محل التعبيرات الفصحى القديمة، مثل عبارة “على جثتي” التي دخلت العامية المصرية، والتعبير الفصحى “الموت دونه” (الواردة في شعر أبي فراس). الحمداني). وذلك لأن السامع يجد فيها معنى آخر لا ينقله اللفظ الكلاسيكي الأصلي. ويمكنه أن يعدل هذا التعبير فيقول: “رغم أنني أموت بدونه”، لكنه يجد التعبير الأجنبي أبلغ وأصح. ! يمكن للمترجم أن ينقل عبارة غريبة وينشرها، وبعد فترة يتغير معناها، مثل “لمن تقرع الأجراس”. والمعنى الأصلي هو أن العذاب قريب من السامع (It tolls for you) كما جاء في شعر الشاعر جون دن، ولكننا نجد الآن تعبيراً في الصحف يعني “حان وقت الجدية” (مأخوذ من كلمة الحجاج عندما أصبح واليا للعراق :
لقد حان وقت الجد، فتقدمت زيم في السن، وغلفها الليل بانجراف مكسور
وليس راعي إبل ولا غنم، ولا جزارًا على ظهر جمل.
فانظر كيف أدت ترجمة الصورة الشعرية إلى تعبير عربي يختلف معناه، ليحل محل التعبير القديم (زيم اسم الفرس، وهاثم يعني قوي جداً، والوسام هو الخشب “الجذع” الذي عليه الجزار يقطع اللحم). وأعتقد أن من يقارن ترجماتي بما كتبته شعرا أو مسرحا. أو سيكتشف الروائي أن العلاقة بين الترجمة والتأليف أوضح مما ينبغي. كلمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top