سر رسالة غامضة من توفيق الحكيم إلى يوسف إدريس.. لماذا سكت صوتك المسموع؟

اليوم ذكرى رحيل الأديب يوسف إدريس، الذي رحل عن عالمنا في الأول من أغسطس عام 1991، والذي ترك أثرا عميقا في القصة القصيرة وعالم الكتابة، هو والأديب الكبير توفيق الحكيم، نص الحروف:

من توفيق الحكيم إلى يوسف إدريس
لماذا كان صوتك المسموع صامتا؟
عزيزي الدكتور يوسف إدريس.

أنا أكتب هذا لأطرح عليك سؤالاً، وأكتب هذا لتعريفه. قد ترى في السؤال تدخلاً، وقد يراه غيرك تدخلاً، ولكني أراه واجباً. وهذا الواجب لا يفرضه منصبي الرسمي كرئيس لاتحاد الكتاب، بل يفرضه ما يصفني به بعض أصدقائي الأدباء من شيخ الأدباء، ليس بحكم السن بل بالعمر الذي أشرحه لبعضهم من أصحاب الرأي. على هذه الصفة بقوله أنا شيخ حي الكاتب؛ وبالمعنى القديم لشيخ الحي في بلادنا، أي أنه كان يهتم بأحوال أهل الحي ويرعى مصالحهم ويعالج مشاكلهم. ومن هذا المنطلق أعتبر من واجبي أن أسأل عن حال الكاتب القدير يوسف إدريس. أراه في مبنى الأهرام بجسده، لكني لا أراه على صفحاته بقلمه، ولا شك أن آلاف القراء يشاركونني هذا السؤال: أين ذهب هذا القلم المطبوع؟ لماذا كان هذا الصوت المسموع صامتا؟ في زماننا القديم رأيت الشيخ سلامة حجازي يقف على المسرح في مسرحية لشكسبير ويصرخ أمام جولييت النائمة المخمورة بلحنه الشهير: جولييت ما هذا الصمت؟ اليوم أصرخ بصوت أجش ولحن جهير: يوسف ما هذا الصمت؟

توفيق الحكيم
يجيب يوسف إدريس:

معلمنا الكبير توفيق الحكيم.

إن رسالتك، حتى لو لم يكن لها تاريخ، فهي ذات قيمة تاريخية بالنسبة لي، وعند أي كاتب في مصر أو في العالم العربي. إنه من أساتذة الكتاب عندما يقرأ، وعندما يستشعر غياب الكاتب، وربما أغيب هذه المرة، لكني لن أكون الأخيرة، فهناك الكثير من الأسباب التي تدفع الكاتب إلى تحقيق الأهداف في عالمنا هذا! لكن الأهم هو أن الله قد وهبنا أخيراً شيخاً كبيراً من شيخ فننا وأدبنا، الذي “يستشر” بين الحين والآخر أعضاء المهنة ويعرف من مات ومن عاش ومن غاب ومن كان. غائب.

وبعد ذلك.

لم أسكت يا أستاذنا ولن أسكت. الصمت ليس نومًا ولا تأثيرًا مخدرًا يفرضه الكاهن على الكاتب. الصمت بالنسبة للكاتب هو الموت المؤكد. لو سكتت عن الأهرامات، أو سكتت الأهرامات عني، فإن أسباب الصمت كانت عاصفة عنيفة يعرفها الجميع، ويمكنك أن تسأل أي عابر سبيل في شارع الجلاء عنها. وإذا حدث فالمسؤولية لا تزال مشتركة، والسؤال لا يزال حادا كالشفرة: ما ذنب القارئ؟

لقد أرسل العديد من الأشخاص أسئلة ليسألوني ويستمروا في طرحها، لدرجة أنني اضطررت إلى إرسال رسائل خاصة إلى بعضهم. لكن عندما يأتي السؤال من أشهر كاتب وأشهر قارئ، فلا يحق لي ولا للأهرام – على ما أعتقد – إلا أن نجيب عليه علناً.

كما لا أملك إلا أن أعدك -أيها الأستاذ والقيمة والرمز- بأنني سأحقق توقعاتك وتوقعات قرائي الأعزاء، وإلا سأبدأ الكتابة هذا الأسبوع إن شاء الله، وستظل كذلك، وأنت سيظل أول من يحب والسلام.

أتمنى لكم، أيها الكتاب والقراء، عاماً مليئاً بكل ما هو “الأعلى والأنفع” في الفكر والإبداع والإبداع.

يوسف إدريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top