حسام جايل شاعر وناقد وأكاديمي متخصص في اللغويات ونحو النص وتحليل الخطاب. تربطني به صداقة تعود إلى ربع قرن، حيث جمعنا حبنا الأول للشعر، وهو كتابته. والكتابة عنها، والشغف بالقراءات المشتركة والنقاشات المتواصلة مع أصدقائنا الشعراء في صباحات جامعة القاهرة، والمكتبة المركزية، ومؤتمرات وندوات المجلس الأعلى للثقافة، وليالي نادي دار العلوم، ومقاهي وسط البلد. .
وأذكر أنه أهدى لنا بحثه الأول – والذي كان بعنوان آليات السرد في شعر صلاح عبد الصبور – فقال في الإهداء: إلى أصدقائي المليئين بالطموح والأسى؛ هذه الازدواجية اللافتة كشفت مبكراً جداً عما سيصبح عليه «الناقد» الطموح والأستاذ المساعد الحائز على جائزة الدولة التشجيعية عام 2015 في مجال تخصصه النحوي وعدد من الجوائز الشعرية الأخرى، و«الشاعر» صاحب المزاج الحزين الذي وتفيض القصائد بالحزن على المفارقات المؤلمة في واقعنا المعيش. فهو لا يمكّن الأفراد المتميزين من إدراك أنفسهم في مواجهة وجود اجتماعي ظالم لا يحتفل بالتفرد بقدر ما يحتفل بذاته بالتكرار والرتابة وغياب. . معنى.
وإذا كان “الشاعر” حسام جايل في ديوانيه الشعريين “أصوف جي جو هو” و”سوس ديت مي بيتيم” قدم رؤيته الرومانسية المغتربة في قالب أوبرالي، مقدراً عناصر الصدق النفسي والعاطفة الشخصية، فإن “الناقد” صاغ حسام جايل منهجه النقدي معتمدا على عنصري اللغة والأسلوب في مناهجه ودراساته الكثيرة التي اختار أن يسير فيها على خطى أستاذه الدكتور النحو “نحو النص” في رسالة الماجستير “تماسك النص في شعر أحمد عبد المعطي حجازي” ورسالتي للدكتوراه هي “شعر الهذليين في ضوء البحث النصي وتحليل الخطاب” لاستثمار ذلك الأساس المنهجي المتميز في كتابه الحائز على جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب لهذا العام 2024، “تماسك النص في الشعر العربي.. دراسة في البنية والوسائل” فاز ويتحدث حسام جايل عن علم النص باعتباره علم يبحث في النص ويكشف عن آلياته وأساليبه المتماسكة. وتماسكها يعتمد على إجراءات وأدوات تتنوع بين نحوية ولغوية وبلاغية ومعجمية وفلسفية واجتماعية وسياسية.
الفصل الأول كان نظريا بحتاً، يعرض فيه جايل مفهوم علم النص وأصوله الغربية ومعاييره النصية، ويشير في الوقت نفسه إلى تأثيراته العربية عند البلاغة والنقاد القدماء مثل الجاحظ والقاضي عبد الله. جبار، وعبد القاهر الجرجاني، وابن جني، وابن طبطبة العلوي، وابن رشق، وأبو هلال العسكري، وحازم القرطاجاني، والسكاكي، مما يدل على ذلك يؤكد مذهبهم. وعيهم بأهمية الروابط النصية ودور النحو في النظم، إلا أن معظمها جاء على شكل مراجع جزئية عابرة متناثرة بين طيات كتاباتهم، مما أفقدها قدرتها على إحداث تأثير شامل لها ما يسمح لنا بتأكيد وجود نظرية عربية قديمة متكاملة تؤكد وعيهم بالمعايير النصية حول المنهج الذي فسره العلماء تجاه النص في العصر الحديث، كما نرى في تفسيرات فان دايك وكما نرى نرى في روبرت دي بوغراند في إشارته إلى المعايير السبعة التي… النص كلاً موحداً متماسكاً ذا دلالة، وهي: الإلقاء، والحبكة، والقصدية، والمقبولية، والإعلامية، والوضعية، والتناص. كما نرى أيضًا في تجذرهم لأشكال التماسك النصي اللفظي والمفاهيمي، في سياقات تعبر عن وعيهم الكامل بفكرة التماسك بمعناها النصي الأوسع.
وفي الفصل الثاني، تناول حسام جايل دراسة البنى العليا في ديوان “الطين يتكلم” لمحمد عفيفي مطر، مسلطاً الضوء على البنى الأساسية أو البنى العليا التي تسود المجموعة وهي: الاسمية اللافتة، بنية التكرار، والجمع، مع إشارته إلى بنية التناقض ومعنى وجود الألوان، ولكن حرصه على التنظير. يحرمنا من ثراء التطبيق الذي يمكن أن يتمتع به الناقد الذي أراد الشاعر أن يسلينا به، لذلك كان التحليل قصيرا ومختصرا، على عكس ثراء العالم الدلالي للشاعر الكبير، إضافة إلى عدم استيفائه كافة المعايير أنه برع في الشرح والتبسيط على المستوى النظري بلغة سلسة ومفهومة، على الرغم من افتقاره أيضًا إلى التحقق العملي من خلال المجموعة قيد الدراسة.
وفي الفصل الثالث، ركزت جايل على البنية الإيقاعية في شعر أحمد عبد المعطي حجازي ودورها في إنتاج المعنى، مستندة في افتتاحية الفصل إلى الفرق بين الوزن/الثابت والإيقاع/المتغير الذي يحدث في تنوعاته. . أشمل وأشمل من بنية العداد المجرد. وأشار في هذا السياق إلى عدد من الدراسات حول مفهوم الإيقاع وأشكال التطور والابتكار في موسيقى الشعر العربي والبنية العرضية للشعر العربي والحديث. شبه الشعر الأوبرالي، وتطرق إلى محاولات الربط بين الوزن والعاطفة… واشتهر مع سيطرة مشهد الشعر العربي بعد منتصف القرن العشرين وكثرة الكتابات حول فلسفة موسيقى الشعر، مع الأخذ في الاعتبار أن “القصيدة هي بنية إيقاعية خاصة مرتبطة بحالة عاطفية معينة لدى الشاعر نفسه”. وبعد هذا الأساس النظري الرصين، بدأ بدراسة إبداع أحمد عبد المعطي حجازي في إيقاع القصيدة التفاعيلية وتكييف الأشكال المعقدة، مثل البسيط والسريع والخفيف والمقتلع، مع التفاعيل. قالب منحاز – بجرأة الشاعر قبل منهجية الناقد – لجرأة حجازي وقدرته على رسم دوائر إيقاع الشعر التفاعيل تتوسع، وترفض رأي نازك الملائكة، التي أشارت في كتابها قضايا الشعر المعاصر، إلى أن استخدام الشاعر الحديث عبارات معقدة سيجعله “يبدو متلهفاً ومتعباً، لذا… الأمر صعب”. للقراءة ونعومة الموسيقى مفقودة.”
- رواية "النساء" تعود من جديد إلى قائمة نيويورك تايمز للكتب الأعلى مبيعًا
- نهاية إسرائيل.. كيف توقع عبد الوهاب المسيري زوال الكيان الصهيوني
- تعرف على مؤلفات الشاعر السوداني محمد المكي إبراهيم بعد رحيله أمس
واعتمد جايل في تناول إبداعات حجازي الموسيقية على ذوق الشاعر في التحليل ودقة الجداول الإحصائية، وسار في الوقت نفسه على خطى شيخيه الكبيرين: د. حماسة عبد اللطيف في ربطه بين التراكيب النحوية والتراكيب الموسيقية، ود. أحمد كشك في وعيه الشديد بدور القافية في الشعر الحديث، ومثل وعي جون كوين في تمييزه بين لغة الشعر ولغة النثر وفي تأسيسه لازدواجية التفاعل بين العاملين: الصوتي/الوزن والقافية. المعنى/المثل والاستعارة في النصوص الشعرية.
وفي الفصل الرابع تناولت جايل طرق تطويل الكلام بالمعنى الشعري عند شعراء الهذلي باستخدام المنهج الإحصائي.
وفي رصد الطرق المختلفة التي استثمر بها الشعراء الوظائف النحوية المخصصة لامتداد الكلام لتحقيق غايات بلاغية ودلالية.
ولغة هذا الفصل سهلة ومنظمة في حرصها على عناصر التواصل والفهم، وبعدها – كسائر فصول الكتاب – عن الغموض أو الغرابة أو عرض معرفة لا يقتضيها سياق الكتاب. المكان، كما نرى عند بعض منتقدي الحداثة.
وأتمنى أن يكون هذا الكتاب المنضبط المنهجي بداية لدراسات تطبيقية أخرى تستخدم التوجه النصي في مقاربة النصوص الشعرية وتؤكد قيمته كأحد المناهج الحداثية المؤثرة في المشهد النقدي المعاصر.