نواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف اليوم مع كتاب جنة الشوك لعميد الأدب العربي د. طه حسين. ماذا يقول في المقدمة؟
- روايات مصرية للجيب.. ملف المستقبل ورجل المستحيل ما زالت على "سير الطباعة"
- "الاستراتيجية والأمن القومي وجهان لعملة واحدة".. أحدث إصدارات سمير فرج
- ذكرى ميلاد أحمد خالد توفيق.. أعماله تتصدر المبيعات رغم رحيله منذ سنوات
مقدمة
وهو قول لم يذكره كتابنا المعاصرون؛ لأنهم لم ينتبهوا إليه، أو لأنهم لم يهتموا به، مع أنه من أنسب أشكال الكلام لهذا العصر الذي نعيش فيه. إننا نعيش في عصر انتقالي، كما قيل لنا منذ أن بدأنا نعرف الحياة، وتتميز العصور الانتقالية بكثرة ارتباك الرأي وارتباك الأمور، وانحراف الحياة الفردية والاجتماعية عن مناهج الحياة المعتادة. كل هذا يدعو إلى النقد، ويتطلب الاهتمام بإصلاح الفاسد وتقويم الأعوج، وإظهار الخير ليقصد به والشر ليتجنبه، وإظهار ما هو خير وما هو غير خير ليس بصورة قوية آسرة، ذات الأثر العميق في النفوس، شديدة الجاذبية للذوق، وسعيدة جدًا بملاءمة الشخصية.
- ذكرى ميلاد أحمد خالد توفيق.. أعماله تتصدر المبيعات رغم رحيله منذ سنوات
- إيفان بافلوف عالم روسي حصد نوبل في الطب.. هل له مؤلفات؟
- بابلو نيرودا حاصد نوبل.. شاعر أمريكا اللاتينية في القرن العشرين
إننا نعيش في عصر لا نزال نسمع فيه أنه عصر السرعة، الذي فيه الزمن، مهما طال، أقصر من أن نتحمله من الأعباء التي لم تكن كثيرة أو ثقيلة على الرجال في أي عصر. العصر، كما هي كثيرة هذه الأيام، ثقيلة ومتنوعة ومزدحمة. كل هذا يدفعنا إلى تفضيل الإيجاز على الإسهاب، واستهداف ما يناسب وقتنا القصير وعملنا الكثير، وهذه هي اللحظات التي نحظى فيها بقليل من الفراغ للاستمتاع بمتع الأدب الخالص والفن الرفيع.
- 51 عاما على حرب أكتوبر.. الأبطال يكتبون ذكريات النصر
- "الاستراتيجية والأمن القومي وجهان لعملة واحدة".. أحدث إصدارات سمير فرج
- الأزهار شاهدة على حروب وحلى المصريين القدماء.. افتتاح معرض الزهور
لا شك أن حياتنا المعاصرة وجدت في أدبنا الحديث مرآة حقيقية، مصورة بأحسن وأدق تصوير، وأرجح أنها تسلي العقل، وترضي الذوق، وتناسب المزاج. عرفنا المقال منذ نهاية القرن الماضي، ونعرف أنواعه المتنوعة، وفنونه المتنوعة، ومحاولاته الناجحة في تصوير ما نحتاج إلى تصويره من حيث نوع الحياة التي نعيشها، وننتقدها أحيانًا ونقدًا تارة، وتعليمًا تارة أخرى، ومرة أخرى يهتم بالمتعة الفنية، ويتعامل مع السياسة بأنواعها، والحياة الاجتماعية بأشكالها المتنوعة، والحياة الروحية بفروعها المتنوعة.
جنة الشوك” src=”https://img.youm7.com/ArticleImgs/2024/7/15/13141-Paradise-of-Thorns.jfif” style=”width: 550px; الارتفاع: 778 بكسل;” title=”جنة الشوك”>
جنة الشوك
- بابلو نيرودا حاصد نوبل.. شاعر أمريكا اللاتينية في القرن العشرين
- "الاستراتيجية والأمن القومي وجهان لعملة واحدة".. أحدث إصدارات سمير فرج
- ذاكرة اليوم.. نهاية الحرب العالمية الثانية وميلاد صالح عبد الحي ومادونا
ثم تعرفنا على القصة التي يقصد بها أحيانًا الأدب الخالص، وتارة أخرى تصوير الحياة المصرية أو حياة الإنسان بشكل عام. ونحن نعرف الكتب التي يهاجم فيها مؤلفوها شكلاً من أشكال الحياة ينتقدونه بشكل مباشر، أو شكلاً من أشكال الحياة يجذب الناس ويدعوهم، أو سؤال علم، أو سؤال فلسفي، أو مدرسة أخلاق، أو اتجاه فنون والأدب. كل هذا وأكثر ظهر في أدبنا الحديث، وحقق قدراً لا بأس به من النجاح، ولكن مهما كان راقياً، ومهما عظم تنوعه واختلافه وخصوبته؛ ولن يكون غنى عنه في هذا الفن القديم الجديد الذي ينتقد بالسرعة والخفة والدقة والإيجاز، ورغم كل هذا فإنه يحاول أن يكون خطابا مختارا يخاطب لفظه ومعناه وكذلك شكله وأسلوبه. كل هذا يصلح أن يكون أدباً يجد فيه القارئ اللذة التي يحب أن يجدها في الأدب.
لقد قلت إن هذا الفن جديد وقديم، ويجب أن أشرح هذا القول الذي يبدو متناقضا، وهو بالتالي صحيح تماما، ومتناسب تماما مع حقائق التاريخ الأدبي العام من جهة، ومع حقائق اللغة العربية. التاريخ الأدبي من جهة أخرى. الحقيقة الأولى التي يجب إثباتها هي أن هذا الفن، كغيره من فنون الكلام، نشأ على شكل، لا على شكل نثر؛ وكان منذ نشأته الأولى في الأدب اليوناني أحد مذاهب الشعر وأحد ألوانه. المدن اليونانية في العصر الذي أعقب فتوحات الإسكندر. كما أنها لم تظهر في الأدب اللاتيني إلا بشكل طفيف، وإن كان الكتاب اللاتينيون قد احتكوا بالأدب اليوناني عامة والأدب السكندري خاصة. لقد ترجموا، ثم قلدوا، ثم أبدعوا، حتى أصبح هذا الشعر اللاتيني في غاية الروعة والأعظم في القرنين الأول والثاني للمسيح، أي في العصر المجيد للإمبراطورية الرومانية.
أما أدبنا العربي فقد تأخر ظهوره بعض الشيء. ولم تكن معروفة في الأدب الجاهلي، أو أننا لا نعرف ما يكفي عن الأدب الجاهلي حتى نتمكن من التأكد من أن شعراء الجاهلية حاولوا ذلك أو قصدوا ذلك. ولم يعرفه الأدب الإسلامي، والراجح أن شعراء الإسلام لم يعرفوه. لأنهم لم يرثوها عن أعوان الجاهلية، ولأنهم لم يشهدوا حياة مترفة حضارية كالتي عرفها شعراء الإسكندرية وشعراء روما، بل عرفوا حياة مرتبطة بالحضارة ولكن لم تخلو من البداوة، وحافظت على تراث قديم عظيم ومعلم شعري مشهور، وخاصة طول عمر الروح. بحيث يؤدي الشاعر ما يحتاج إلى إنجازه بصبر وبطء، ولا يتصف بالإيجاز أو الإيجاز.
- مواقع ثقافية.. أسيوط تضم 16 بيتا وقصر ثقافة و4 مكتبات عامة و6 للطفل
- بابلو نيرودا حاصد نوبل.. شاعر أمريكا اللاتينية في القرن العشرين
- روايات مصرية للجيب.. ملف المستقبل ورجل المستحيل ما زالت على "سير الطباعة"
ولما كان العصر الثاني للحضارة الإسلامية ازدهر هذا الأدب العباسي الجديد في العراق، وظهر هذا الفن في الأدب العربي قويا خصبا ومتعدد الألوان في البصرة والكوفة وبغداد. وينبغي أن يكون كاملا، وقد يخفى ذلك بعض الشعراء وبعض الكتاب، وحتى بعض الذين ليس لهم سابقة معروفة في الشعر أو النثر، لأسباب سأبينها في مكان آخر من هذا الحديث.
ثم جاءت عصور الضعف الأدبي، واختفى هذا الفن الكلامي مع مرور الوقت، واستؤنفت الحياة الأدبية التقليدية في عصرنا الحديث الذي ركز فيه كتابنا على العمود الشعري، ولم يخرجوا عن تقليد العظماء رجال الجاهلية والإسلاميين والمحدثين لم يهتموا بهذا الفن الذي لم يزدهر إلا في تاريخ الشعر العربي في العصر الحديث، ولدى شعراء أوروبا هذا الفن قلدوها كما قلدوها في الفنون الأخرى، فأبدعوا فيها كما أبدعوا في الفنون الأخرى، حتى أثروا أدبهم بألوان رائعة، لكن النهضة الشعرية التي اندفع إليها الأوروبيون منذ أواخر القرن الثامن عشر، استمدوها من إلى غير ذلك من المدارس الشعرية. بطريقة تكاد تكون كاملة.
ترى من هذا الملخص الموجز أننا نتعامل مع شعر عرف في الآداب الكبرى قديما وحديثا، وسبق اليونانيين، كما سبقوهم في غيرهم من الشعر والنثر. وإذا كان هناك جديد في هذا النوع من الكلام المقدم لك في هذا الكتاب، فهو أنه يقدم لك نثرا، وليس شعرا. لأن الذي يقدم لكم هذا الكتاب لم تتح له فرصة استعارة الشعر، من ناحية، ولأنه كغيره من الكتاب القدماء في الأدب العربي، لا يكره منافسة الشعراء في فن الشعر، توسيع مجال النثر من وقت لآخر على حسابهم. قديماً، استخدم أدباء البصرة وبغداد وغيرهما من المدن الإسلامية فناً احتكره الشعراء لأنفسهم. ولم يمنعهم من أن يكونوا أئمة. منهج الشعراء في الشعر هو منهجهم في النثر، وما أظن أن حسم نظام المندوم والمنثور يدل على شيء آخر غير ما ذكرته.
- ذاكرة اليوم.. نهاية الحرب العالمية الثانية وميلاد صالح عبد الحي ومادونا
- 51 عاما على حرب أكتوبر.. الأبطال يكتبون ذكريات النصر
لكن من حقك أن تسألني عن هذا الفن الغريب الذي تحدثت عن تاريخه مطولا دون أن أشرح لك حقيقته وأعرض لك خصائصه وأفرق لك بينه وبين غيره من الشعر، وليس المهم هل أم لا؟ لقد أحسنت في البحث عن الوسائل لنفسك أم لا، عندما بدأت هذا الحديث لم أشرح لك الكثير عن الفن عن الواقع أو خصائصه، لكن المهم أني هذه الحقيقة علانية. لك، ويقدم لك هذه الميزات. حتى نتمكن من المضي قدمًا معًا ببعض البصيرة والثقة فيما نقوله باستمرار.
- ذاكرة اليوم.. نهاية الحرب العالمية الثانية وميلاد صالح عبد الحي ومادونا
- "الاستراتيجية والأمن القومي وجهان لعملة واحدة".. أحدث إصدارات سمير فرج
ويجب أن أعترف أنني لا أعرف اسمًا واضحًا ومتفقًا عليه لهذا الفن الشعري في لغتنا العربية، بل اسمه الأوروبي. وقد أطلق عليه اليونانيون واللاتين اسم “إبيغراما” أي النقش، واشتقوا هذا الاسم بطريقة بسيطة، قريبة من أن هذا الفن نشأ منقوشاً على أحجار الآلهة، وعلى التماثيل والأشياء والأدوات. كان البيت أو أبيات الشعر في البداية يخدم غرضًا قصيرًا، ثم بدأ هذا الفن ينمو ويتعقد، حتى ابتعد عن الحجارة وتمكن من العيش في الذاكرة وعلى أطراف الألسنة وأقلام الأقلام وفي أعماق الكتب والمجموعات. وقد أطلق الإغريق واللاتين كلمة “ابيغرام” أولاً على هذا الشعر القصير المنقوش على الحجارة، ثم على كل قصيدة قصيرة، ثم على الشعر القصير الذي كانت فيه عاطفة الحب، أو ميل إلى المديح، أو ميل إلى الهجاء، ثم هجاء. وقد سيطر هذا الفن، خاصة عند شعراء الإسكندرية والرومان، رغم أنه لم يخلو من الغزل والمدح. وفي العصر الحديث لم يطلق الشعراء الأوروبيون هذا الاسم إلا على الشعر القصير المخصص للنقد والهجاء.
- مواقع ثقافية.. أسيوط تضم 16 بيتا وقصر ثقافة و4 مكتبات عامة و6 للطفل
- 51 عاما على حرب أكتوبر.. الأبطال يكتبون ذكريات النصر
أما أدبنا العربي فلا يكلف نفسه عناء البحث عن اسم خاص لهذا الفن، فهو يقسم الشعر من حيث الطول والإيجاز إلى قصيدة وقطعة عند بعض النقاد، وعشرة عند آخرين، ويعطي اسم القطعة إلى أبيات لا تزيد على سبع أو عشر، ونحو ذلك يقال في الرجا؛ الأرجوزة هي التي تزيد على سبع أو عشر أبيات، والمقوازة هي التي لا تزيد على هذا العدد أو ذاك. ومن الواضح أن كلمة التأليف يمكن أن تشير إلى كل مدرسة شعرية لا تتجاوز هذا العدد أو ذاك، مهما كان موضوعها، ومهما كان خط فكر الشاعر فيها. ولا يدل على هذا…