ثروت أباظة.. حكاية الطالب الذى عدل على أستاذه

في مثل هذا اليوم 15 يوليو سنة 1927، ولد الروائي والأديب المصري الكبير ثروت أباظة في عائلة عريقة في مجال الأدب، حيث كان والده الكاتب دسوقي أباظة، وعمه الشاعر عزيز أباظة، وخاله كان وخاصة أن الأديب الكبير فكري أباظة كان له مجموعة من الذكريات التي لا تنسى.

وبحسب ما قاله ثروت أباظة في كتابه “ذكريات وليست مذكرات” في فصل “أنا والكتاب”: كنت في السنة الرابعة ثانوي بمدرسة فاروق الأول، وكان الأستاذ ثروت أباظة يقول: كان ضاحي مدرس اللغة العربية، وطلب منا أن نكتب موضوع مقال، سأذكر عنوانه الآن، وكتبت الموضوع: استخدمت فيه الفعل “عجب” بصيغة التفاعل، ويضع الأستاذ ضاحي خط أحمر تحت الفعل ويقول: “تعجب بصيغة التفاعل، والتفاعل يعني تبادل الشيء بينه وبين شخص آخر، فالفعل خطأ”.

عدت إلى البيت وبحثت في القاموس فوجدت أن الأستاذ أخطأ خطأً فادحاً، فكتبت كلمة عن خطأ الأستاذ.

كنت أتمتع في ذلك الوقت بصداقة غريبة من نوعها، كانت مزيجا من صداقة المعلم وصداقة في نفس الوقت، وكان الأستاذ العوضي الوكيل الشاعر الكبير ممن أحبهم والدي كثيرا. كان يزورنا يومياً، وطلب منه والدي أن يحضر لنا مدرس لغة إنجليزية لي ولإخوتي، فرافقني إلى منزلنا السيد. عثمان نويح الذي أسست معه هذه العلاقة. كان كاتباً من الطراز الأول في اللغتين العربية والإنجليزية، ومنذ اللقاء الأول شعر كل منا أنه قريب من الآخر، أقرب ما يمكن إلا من خلال الصداقة على مدى سنوات طويلة، وكان والد الأستاذ عثمان نويه ‘أ’. القاضي الشرعي، زميل الكاتب العملاق، أستاذ الأجيال، وعميد كلية الآداب في ذلك الوقت، وكان أستاذنا أحمد بك أمين يتولى شؤون عثمان نويه وإخوانه. وفاة والدهم فكان بمثابة الابن له.

وعرضت على عثمان ما كتبت، وسألته إن كان يستطيع أن ينشر لي هذه الكلمة في مجلة الثقافة. كنت في السادسة عشرة من عمري في ذلك الوقت، فشجعني.

ذهب بالكلمة إلى أحمد بك أمين وعرضها عليه، وعندما قرأها العميد الأستاذ قال لعثمان: هل هذه من أستاذ زميلك؟ صديق المحامي.”

وتفاجأت عندما نُشرت الكلمة، ووقعتها بتوقيع أحد الطلاب القدامى، وأعطيتها عنوان تصحيح الأوراق.

لم تسلم الكلمة من بعض الحذف، لكنها نشرت على أية حال، واليوم أكتب هذه الكلمات، وفي أيدي القراء أكثر من خمسة وثلاثين كتابا، ولكنني لم أسعد بظهور كتاب ليس لي ولا حتى كتابي الأول ابن عمار بقدر ما سعدت بنشر هذه الكلمات الصغيرة القليلة في باب التدوينة بتوقيع لا يحمل اسمي. ولعل القراء الشباب يدركون أنني على حق في هذه الفرحة إذا عرفوا ماذا يعني أن يُنشر كاتب في مجلة الثقافة، وكل ذلك تحت إدارة أحمد بك أمين، وتحت إشراف الكاتب- الترجمة. ولجنة النشر، ولها أسماء حيث يعتبر كل اسم شعبا في حد ذاته.

وكان والدي سعيداً بنشرها في مجلة الثقافة. ولم يكن صديقًا لأحمد بك أمين، لكنه عرفه قارئًا كاتبًا.
تسبب نشر الخبر في حدوث انفجار في المدرسة. كان جميع زملائي يعرفون أنني المؤلف، إذ كان الحوار الذي قرأوه فيه مشهدًا خاصًا بهم. في ذلك الوقت، كان الطلاب يقرأون المجلات الأدبية.

اتصل بي مدير المدرسة الرجل الكبير نجيب بك هاشم أطال الله في عمره وطلب مني بكل لطف وحنان أن لا أكتب شيئا مرة أخرى عن أساتذتي، ووعدته أن أفعل ذلك بفرحة ترفرف كالنسر. أجنحة بين أضلعي .

ذهب عثمان نويه إلى أحمد بيه وأخبره أن الشخص الذي تحدث هو طالب في السنة الرابعة ثانوي والتي تسمى الثقافة. والغريب أن أحمد بيه كان سعيدًا وليس غاضبًا، وطلب رؤيتي.

لقد اعتنى بي الراهب وأنا في طريقي إلى العميد الأستاذ، ولكن يا له من أب وإنسان طيب، وأعرب عن رضاه عني، وكان حينها في مقام الأستاذ الحنون أو الأب الحنون تجاهي. .

وطلب مني الكتابة، فكتبت مقالاً عن الشعراء أحمد القريش وتوفيق عوضي أباظة بعنوان “الشعراء المجهولون”، واخترت أبيات الأستاذ توفيق التي اشتكى منها عزيز باشا إلى جمال بك.

ولم تنتشر الكلمة، وانتظرت طويلاً، والغريب أن والدي رحمه الله انتظر معي، ولم تنتشر الكلمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top