محمد بن عبده بن حسن خير الله.. ما قاله العقاد عن الإمام

اليوم ذكرى رحيل الإمام محمد عبده الذي توفي في 11 يوليو 1905. يعتبر من أبرز العلماء ورجال الدين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ماذا قال عنه عباس محمود العقاد؟

أصدر العقاد كتاباً بعنوان “عبقرية الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده” وما قال فيه:

محمد بن عبده بن حسن خير الله:

نشأ الطفل محمد عبده في أحد بيوت القرية المتوسطة، التي لا تعتبر من أفقر بيوت القرية. لأن الفقير في القرية لا يملك خيولا، ولا يتفرغ لرياضة الخيل ونحوها، ولا يملك وسائل الكسب التي تساعده على فتح بيته للضيافة وإيواء الضيوف من العلية الزائرة في نظر الأهل. القرويين.

ولا تعد من أغنى سكانها؛ لأن القرية كان بها من هو أغنى من رؤوس ذلك البيت، ولم يكن من المعروف أن سيطرته يمكن أن تمتد، كما يقول أهل الريف، إلى بيوت الأثرياء جداً، وعدد السكان في الأيام. ولم يتجاوز تعليم الطفل الصغير ألف شخص في نهاية القرن التاسع عشر، كما ورد في إحصاء عام 1897م.

والمعروف عن هذا البيت في تلك الفترة أن أبنائه كانوا يزرعون أرضهم الخاصة، ويستأجرون أرضاً من أملاك شخص آخر، ويتعاونون مع جيرانهم. وعرف عنهم الحماس والإخلاص والمثابرة في التفاني، مما زاد دخلهم من سنة إلى أخرى في حدود قدراتهم، وبلغ ذلك أنهم كانوا يملكون نحو أربعين هكتارا من الأراضي عندما اندلعت الثورة العرابية، بحسب تقرير للدكتور. . عثمان أمين قالته إحدى الصحف الإنجليزية. ونتطلع إلى مرجع آخر يحدد هذا المبلغ، لكنه لا يتجاوز حده المعقول عندما ننظر إلى الأسرة التي يعولها والد الطفل في حالة بعيدة عن حالة الفقر والعوز.

ونعرف عدداً قليلاً من أفراد تلك العائلة الذين وردت أسماؤهم في سيرة الأستاذ إمام في حياته وبعد وفاته.

ومنهم جده حسن خير الله، وعمه بهناس حسن خير الله، وابن عمه إبراهيم، وأخويه من والده علي ومهروس، وشقيقتيه: زمزم ومريم، وأخوه من والدته مجاهد. لأن والده تزوج من والدته، وهي تعيش مع والدها عثمان الكبير في قرية حصة شبشير القريبة من طنطا. وجميعهم من رجال الأسرة الذين يعملون في الزراعة، ولا يعرف لهم أي عمل آخر لكسب لقمة العيش.

إن البحث عن كل ما له معنى خاص بالنسبة لهذه العائلة يتطلب منا أن ننتبه إلى “صابرها” أو عادتها في التسمية، فهي تختار الأسماء على معانيها ومناسباتها إذا كان لها اسم غير أسماء الأنبياء يختارون الصحابة البارزين، لم يكن هذا الاختيار اعتباطيا إلا لمعنى مقصود، فمن أسمائهم محمد وإبراهيم وعلي والحسن وعثمان وحمودة، ومنهم بهنس ودرويش ومجاهد ومحروس. ومعنى بهنس هو أنه يمشي مشية الأسد أو مشية فارس فخور، وهو اسم يدل على حب الفروسية منذ زمن طويل بين أجيال هذه العائلة، ولم يكن درويش من الأسماء التي تُعطى للمواليد الجدد حيثما يتم الاتفاق عليها؛ لأن صاحبه كان من أهل الصوفية، وكانت له رحلات إلى مشايخ الطريق بالمغرب، مثل رحلات السائحين الزاهدين، وكان أبوه يلقبه بـ “الخضر”، وهو اسم الإمام الذي نعرفه. من القرآن أنه كان يسافر عبر الآفاق ويعلم موسى عليه السلام علم أهل الباطن وخفايا الشريعة… ولا عجب أن اسم “محروس” لم يفعل ذلك. والمقصود به في معناه حراسة الله في بيت رجل مضطهد، نهك العشرات من أبنائه بالنفي والسجن والمصادرة. ومنهم من مات بالطاعون، ومن بقي بعده بقي من أشد خصومه عرضة للنميمة والخراب. واسم مجاهد يدل بوضوح على حب العمل في سبيل الله. وتتجلى المشاعر الدينية عند تسمية الفتيات بأسماء زمزم ومريم. وهو اسم للأشخاص الذين يهتمون بأمر الدين. ويضاف اسم “عبده” إلى الضمير الذي يمثل جميع الأسماء الحسنى. وهذا يعني أن الذي يسمى “عبده” هو الله عز وجل وليس عبداً لأحد من خلقه بمعنى، ولكن إذا أعطيت للمولود في الوقت الذي يعاني فيه أهله من الذل والعناد ويطأطئون رؤوسهم عالية في التحدي والمنافسة وهذا ليس من الأسماء التي وردت عشوائيا وليس المقصود منها معنى. وكذلك اسم خير الله هو رب الأسرة وهو خير الخالقين ولا خير إلا هو. الابن الأصغر للعائلة “حمودة” هو الاسم المحبب لمحمد. أطلق عليه هذا الاسم لأن لديه أخ أكبر اسمه محمد، وأخيه الأصغر يسمى حمودة كما لو كان يسمى محمد الأصغر.

ونحن ننتبه إلى عادة التسمية هذه وننظر في القصد من ورائها. لأنها مناسبة لحالة الأسرة ولا تنقطع عن معانيها كما تنقطع معاني الأسماء عند كثير من الأسر التي تختار أسماء لأبنائها وبناتها حسب التقاليد التي تتساوى فيها ظروفهم الظروف من الآخرين. وإذا كان ما نعتقده صحيحا، فهذا دليل آخر على استقلال الرأي في هذه الآية، ومن عادة الناس الذين يريدون لأنفسهم ولا يريدون ما يعنيهم من شؤون الوالدين والأبناء لا يريدون.

واسم مؤلف الترجمة “محمد” هو الاسم المقترن باسم أبيه، فيشبه التحية الإسلامية عند مناداة النبي “محمد عبده” ورسوله.

محمد عبده هو اسم المولود وذكرى محببة لنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، والراجح أن “محمد” نذر منذ يوم ولادته طلب العلم. لأنه ولد بالقرب من مدينة طنطا في نهاية عام 1265هـ أو بداية العام التالي، وهذا تاريخ في العام الذي يحتفل فيه بذكرى ليلة شاملة يقضيها المصلون من جميع أنحاء العالم. على المناطق، وفيه تتلى سور القرآن الكريم على يد أشهر القراء في المسجد الأحمدي، واشتهر منذ بنائه بعلوم القرآن حفظاً وتجويداً. يقرأ في كل ليلة من أيام الأسبوع باسم أحد المحسنين من القائمين عليه، وجرت العادة سماع القرآن من المبتدئين بحفظه وتحسين تلاوته بعد الكبار القراء بعد الانتهاء من الحفظ، وإتقان التلاوة، والإلمام بها وما أمكنهم في مثل سنهم من تفسير آيات الفرائض والعبادات.

فإذا شهد الأب المغترب ليلة الختام في المسجد ومعها تنافس الصبيان على تحسين القراءة والاستعداد لطلب العلم في معهده الذي كان يسمى الأزهر الصغير، أو الأزهر الثاني، لم يأتي شيء. أقرب إلى عقله من أن يخطر بباله أن يحذر ولده في هذا الحي من هذه الكرامة، وهو رغم طبيعة التدين والسعي وراء الأمور العظيمة، فإن ابن ولم يكن للقرية في ذلك الوقت مستقبل أعظم من مستقبل العالم الذي سيقود الأمة في الأمور الدينية. والعالم، وهو يحمل الحكام مسؤولية ظلم أهل القرى، وهو في منفاه لا ينسى ذلك الظلم ولا يتمنى لابنه منصبا أعظم من منصب ذلك القاضي الجليل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top