ونواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف عند كتاب “فلسفة التفسير: دراسة في تفسير القرآن عند محيي الدين ابن عربي” لنصر حامد أبو زيد. ماذا يقول في المقدمة؟
- رحيل الدكتور نبيل حلمي رئيس مكتبة مصر الجديدة
- "العادلون" لـ محمد فاضل القباني يعود من جديد على مسرح قصر ثقافة روض الفرج
- مناقشة رواية اتجاه عكسى لـ نسرين البخشونجى فى المنصورة
مقدمة
وهذا البحث -من إحدى زواياه- هو امتداد لدراسة قام بها الباحث في مرحلة سابقة حول “مسألة المجاز في القرآن عند المعتزلة”. وخلص الباحث في دراسته السابقة إلى أن الاستعارة في أيدي المتكلمين تحولت إلى سلاح للتغلب على التناقض المتخيل بين آيات القرآن من جهة وبين القرآن وأدلة العقل على الجانب الآخر لإزالة.
وكانت هذه النتيجة هي الأساس الذي دفع الباحث إلى محاولة استكشاف مجال آخر من مجالات الفكر الديني – وهو المجال الصوفي – لدراسة تلك العلاقة بين الفكر الديني والنص، لفهم طبيعته والمعضلات التي تزيده. وهو استمرار لجانبين أساسيين من الميراث: الجانب العقلي عند المعتزلة، والجانب المستساغ عند الصوفية.
وخلال الفترة الطويلة التي استغرقها هذا البحث تم تعديل الكثير من الأفكار والمفاهيم التي انطلق منها الباحث. وخاصة المفهوم الرئيسي الذي تقوم عليه الدراسة؛ هذا هو مفهوم التفسير بدأ الباحث دراسته الأولى بالمفهوم العام في فكرنا الديني والفلسفي المعاصر، والذي يرى في التفسير جهدا عقليا ذاتيا لإخضاع النص الديني لتصورات المفسر ومفاهيمه وأفكاره، وهي وجهة نظر تتجاهل دور النص والتراث التفسيري المرتبط به وأثره في تفكير المفسر.
فالعلاقة بين المفسر والنص ليست علاقة استسلام من جانب المترجم وخضوع من جانب النص، بل هي علاقة جدلية تقوم على التفاعل المتبادل بالتفصيل ومناقشة معناه في المقدمة التالية هذه المقدمة.
- الموت الأسود عبر العصور.. حكاية الطاعون.. أخطر وباء عرفته البشرية
- إبراهيم عبد المجيد ضيفًا على منتدى القاهرة الثقافى بمركز الإبداع
وانطلاقا من هذا التصور، لم نجد مفرا -في دراسة التفسير عند ابن عربي- من مواجهة فلسفة ابن عربي برمتها في جوانبها الوجودية والمعرفية، فضلا عن مفاهيمه عن جوهر النص الديني وعناصره الوجودية والمعرفية. ودورها، ومفهوم اللغة بمستوياتها المتعددة باعتبارها الوسيط الذي ينكشف من خلاله النص.
فالوجود عند ابن عربي هو وهم يشبه الصور التي تظهر للنائم في منامه. إن مستويات الوجود المتنوعة والمتنوعة، من البداية إلى النهاية، والتي هي الوجود الإنساني، كلها تخضع لهذا المفهوم.
ومن هذا المنطلق يميز ابن عربي بين ظاهر الوجود وباطنه، ويرى ضرورة الولوج من الظاهر الحسي الملموس إلى الباطن الروحي العميق، في رحلة تفسيرية لا يستطيع القيام بها إلا الإنسان. فهو الكون الشامل الذي تجتمع فيه حقائق الوجود وحقائق الألوهية في آن واحد.
- "العادلون" لـ محمد فاضل القباني يعود من جديد على مسرح قصر ثقافة روض الفرج
- رحيل الدكتور نبيل حلمي رئيس مكتبة مصر الجديدة
- الموت الأسود عبر العصور.. حكاية الطاعون.. أخطر وباء عرفته البشرية
وهذا التصور الوجودي يشبه تصور ابن عربي للنص الديني، فهو وجود يتجلى من خلال اللغة، و- كذلك- يتكون من ظاهر وباطن وموحد وظاهر، وهي مراتب ودرجات مطابقة للمستويات. ومستويات الوجود. إن تفسير الوجود لا ينفصل عن تفسير النص والوصول إلى مستوياته المتعددة، التي لا يفهمها إلا الإنسان الكامل الذي أدرك باطن الوجود وتجاوز ظاهره.
ولهذا كله كان على الباحث أن يحاول الكشف عن فلسفة التفسير عند ابن عربي في جوانبها المتعددة. الوجودية ونظرية المعرفة. ولا يمكن فهم تفسير النص إلا من خلاله. وبناء على ذلك فقد قسمت الدراسة إلى ثلاثة مباحث ومقدمة. تناولنا في المقدمة أهمية دراسة مسألة التفسير بشكل عام، ومدى إمكانية نفعه في تصحيح الكثير من المفاهيم والتصورات التي ترسخت في أذهاننا حول التراث. كما ناقشنا أهمية ابن عربي في ذلك، كما ناقشنا الدراسات السابقة عن ابن عربي من خلال رؤيتنا لمفهوم التفسير.
خصصنا الفصل الأول للتفسير والوجود، وحاولنا فيه تحليل مستويات الوجود المختلفة من عالم الخيال المطلق إلى عالم الحس والشهادة، مرورا بعالمي المادة والخلق. وعليه فقد قسم هذا الباب إلى أربعة فصول: تناول الفصل الأول الخيال المطلق الذي ينظم وسائل الألوهية وحقيقة الحقائق والعمى والحقيقة المحمدية. أما الفصل الثاني فيتناول دراسة عالم المادة. إنه العالم الوسيط الذي ينظم العقل الأول والروح الكونية والطبيعة والمادة. أما الفصل الثالث فيتناول المستوى الثالث من الوجود. إن مستوى عالم الخلق هو الذي ينظم العرش والعرش والأطلس والأبراج. أما الفصل الرابع والأخير فيدرس مستويات عالم الملك والاستشهاد، وهو العالم المنظم للأفلاك السبع المتحركة وعالم العناصر الطبيعية. عالم الكون والاستحالة.
ولم تكن الدراسة في هذا القسم بأكمله مجرد دراسة وصفية. بل حاول الباحث تحليل هذه المستويات وترتيب علاقاتها التفاعلية الطبيعية والروحية. أي: من ظاهره وباطنه. وقد كشف هذا التحليل، إلى الحد الذي نرجو أن يكون واضحا، عن مدى خضوع مفاهيم ابن عربي في كثير من مفاهيمه ومصطلحاته لبيانات النص القرآني. والذي نأمل أن يؤكد تصورنا لعلاقة التفاعل بين المترجم والنص.
وكان لا بد من تخصيص الفصل الثاني للتفسير والإنسان. ويتم ذلك من خلال تحليل ثلاثة مستويات، في نظر ابن عربي، لعلاقة الإنسان بالوجود. المستوى الأول هو علاقة الإنسان بالعالم، وهو موضوع الفصل الأول من هذا الفصل. حاولنا في هذا الفصل تحليل أوجه التشابه والاختلاف بين الإنسان والعالم. من حيث ظاهره الذي يتطابق مع حقائق الكون ويدخلها في كيانه الصغير. أما الفصل الثاني فقد ركز على دراسة الجانب الباطني للإنسان وتوافقه مع الحقائق الإلهية. فهو مخلوق على الصورة الإلهية، وفي حقيقته وباطنه اجتمعت حقائق جميع الأسماء الإلهية الموجهة إلى خلق العالم. ومن خلال هذا التحليل لجانبي الإنسان، الظاهر والباطن، أو الكوني والإلهي، تناول الفصل الثالث معضلة المعرفة الإنسانية، وزعم ابن عربي أن المعرفة لا تتحقق إلا من خلال المظهر الظاهري لتجاوز الإنسان . – وهو الظاهر للكون – للوصول إلى باطنه الروحي الإلهي عبر رحلة خيالية. فعندما يتجاوز الإنسان ظاهره إلى باطنه يستطيع تفسير الوجود، وبنفس القدر يستطيع فهم حقيقة الوحي الإلهي ومستوياته المتعددة. ولذلك فقد خصص الفصل الرابع والأخير من هذا القسم لتحليل العلاقة بين الحقيقة والقانون من خلال هذه الرحلة التفسيرية التي توجد وتنظم النص معا.
- كيف سرق اللصوص صورة تشرشل فى كندا وسر استعادة الشرطة لها؟
- بيع لوحة لمونيه من سلسلة كومة قش بـ30 مليون دولار بمزاد علنى مايو المقبل
أما الفصل الثالث والأخير فيتكون من ثلاثة فصول: الفصل الأول: تناول تحليل العلاقة بين القرآن والوجود، وتوافق مستويات النص القرآني مع مستويات الوجود الأربعة التي تناولناها. انظر ما تم تحليله في الفصل الأول، وتوافقهم مع مستويات الخبراء التي قمنا بتحليلها في الفصل الثاني. وهذا التشابه بين القرآن والوجود عند ابن عربي يقوم على أساس أن الوجود كلام الله المعدود، والقرآن كلامه الناطق، والعالم المحقق هو القادر على ذلك. فهم كلام الله الفهمي على مستواهما الوجودي واللفظي. وهذا التصور دفعنا إلى تخصيص الفصل الثاني من هذا الباب للغة والوجود، وحاولنا تحليل مفهوم ابن عربي للغة في جانبيها الإلهي والإنساني. بدءاً من المستوى الصوتي للغة وانتهاءً بالمستوى النحوي. وفي تحليل الجانب الدلالي، ركزنا على تأكيد ابن عربي على ذاتية العلاقة بين الدال والمدلول في اللغة في جانبها الإلهي، وهي علاقة لا يستطيع اكتشافها إلا الصوفي. ومن خلال اكتشافه، يُنظر إلى القرآن في ضوء وجودي أوسع.
- وزارة الثقافة تطلق عروض المسرح المتنقل بالشيخ زايد ضمن احتفالات أكتوبر
- كيف سرق اللصوص صورة تشرشل فى كندا وسر استعادة الشرطة لها؟
- اليوم العالمي للتراث.. تعرف على تاريخ المواقع مصرية المدرجة بقائمة اليونسكو
أما الفصل الثالث والأخير فقد تناول مسائل التفسير. وقد تناولنا في هذا الفصل التشبيه والقياس، والفصل والمشابه، والإكراه والاختيار، والثواب والعقاب. وهي مجرد أمثلة ولا يمكن الادعاء بأنها تفي بجميع الجوانب التطبيقية لتفسير القرآن في فكر ابن عربي، ولا نعتقد أن أي دراسة وحدها يمكنها أن تلبي جميع هذه الجوانب. وقد اعتمدنا في هذا الاختيار من جهة على مركزية هذه القضايا في الفكر الديني، ومن جهة أخرى على أنها قضايا لم تبرز من خلال فصول البحث السابقة.
وكل ما يأمله الباحث -في النهاية- أن يكون البحث قد سلط الضوء على فلسفة التفسير عند ابن عربي، دون أن تخدع التفاصيل الكثيرة والمسائل المعقدة غرضه الأساسي وتحجب أعين القارئ. ومن ناحية أخرى، فهو يأمل أن يحميه وعيه بمعضلة التفسير والتفاعل بين المفسر والنص من الأهواء العقائدية في تفسير ابن عربي بشكل عام، وفلسفة التفسير بشكل خاص. ويجب على الباحث هنا أن يعترف بأن هذا الوعي كان في كثير من الأحيان عائقا جعله حريصا دائما على إعطاء نصوص ابن عربي مركز الصدارة والإشارة إليها مرارا وتكرارا. وكانت نتيجة هذه البراعة أن زاد حجم البحث بما يتجاوز ما قصده الباحث. غير أن هذه النصوص تستحق – من جهة أخرى – الكشف عنها وإبرازها. ولم يتم الكشف عن معظمها بشكل واضح بما فيه الكفاية من خلال الدراسات السابقة.
نصر حامد أبو زيد” src=”https://img.youm7.com/ArticleImgs/2024/7/1/49178-Nasr-Hamid-Abu-Zaid.PNG” style=”height: 705px; width: 550px;” title=”نصر حامد أبو زيد”>
نصر حامد أبو زيد