ونواصل سلسلة مقدمات الكتب ونتوقف اليوم مع كتاب “الإمام الشافعي وتأسيس المذهب الوسطي” للكاتب نصر حامد أبو زيد. ماذا يقول في مقدمته؟
عرض تقديمي:
الشافعي (150-204هـ) والأشعري (ت 3300هـ) والغزالي (ت 505هـ) ثلاث شخصيات مهمة في تاريخ الثقافة الإسلامية عموماً، والفكر العربي بشكله. وترجع أهميتها بشكل خاص إلى إرساء الاعتدال الذي يرى كثيرون أنه أهم سمات التجربة العربية الإسلامية في التاريخ، وهي السمة التي تتجسد فيها «الأصالة» التي ويجب على المجتمعات العربية والإسلامية أن تحمي. وفي صراعه ضد أعدائه الذين يسعون للقضاء عليها، وإذا كانت مسألة الصفة «الأساسية» الثابتة محل خلاف وخلاف، فإن ما ثبت تاريخيا هو أن «الاعتدال» الشافعي في «أنشأ» “في مجال الفقه والشريعة”، والأشعري أسس للاعتدال نفسه، أما في مجال الإيمان فقد أسس في مجال الفكر والفلسفة، على أسس كل من الشافعي و آل-. الأشاعرة، وعلى كل حال فلا غرابة في الأمر. الغزالي هو المذهب الشافعي في الفقه، والمذهب الأشعري في الفقه، وكلاهما مجالان – مجال الفقه ومجال الإيمان – مجالان أساسيان يمكن تسميتهما “الشريعة”. والمذاهب” أو قد تكون “مبادئ الفقه” و”مبادئ الدين”.
- الانتخابات الأمريكية.. ما قصة إجراء انتخابات أمريكا يوم الثلاثاء؟
- "تعزيز الهوية الثقافية فى الجمهورية الجديدة" لقاء لقصور الثقافة بسوهاج
وللشافعي الفضل في هذا المجال. إذ أنه الأول تاريخياً، والقيادة هي التي تجعله مؤسس هذا الاتجاه الفكري بكل دلالاته الاجتماعية والسياسية، ومن يريد أن يجعل هذا الاتجاه بالذات حاكماً على الثقافة والتاريخ والواقع يعتمد على ” “أصولية الشافعي من جهة، وغلبة الأشاعرة، وتوفيق الغزالي من جهة أخرى. ولعل الكثير منهم لا يدرك أن الأسباب التاريخية – الاجتماعية – الاقتصادي والسياسي – هو ما دفع هذه الحركة إلى موقع السيادة والسيطرة، وأن تغير الظروف والأحوال قد يدفع هذه الحركة إلى الاستمرار. وهذا يعني أن القول بجوهر “الوسطية” واعتبارها سمة أصيلة للفكر الإسلامي والثقافة العربية، هو قول يحتاج إلى مراجعة ويكشف بعده العقائدي، إذ هو كلام يولد تيارا فكريا له أيديولوجي. سماتها وخصائصها -في سياقها التاريخي والاجتماعي- إلى مستوى الحقائق الحضارية العقلانية الثابتة الراسخة، وهذا لا يمكن تحقيقه من خلال توضيح الطبيعة الأيديولوجية لتلك الحركة الوسطية التقليدية التوفيقية أولا. يمكن أن تنكشف ثياب القداسة التي ألبسته في تاريخنا الثقافي والروحي.
تعتمد هذه الدراسة – منهجيا – على تحليل الأفكار والكشف عن معناها أولا، ثم تنتقل إلى معناها الاجتماعي السياسي – الأيديولوجي – ثانيا، لتلافي مطبات التحليل الميكانيكي – الانعكاسي. وكانت الحركة المنهجية من الخارج إلى الداخل، ومن الطبيعي والمنطقي أن توضع أفكار الشافعي في السياق الفكري العام للعصر. وما أنتجته من جهة، وفي سياق المجال المعرفي المحدد -المجال الفقهي- من جهة. على الجانب الآخر. لا يمكن حقاً فهم أطروحات الشافعي بمعزل عن الصراع الفكري الذي احتدم بين «أهل الرأي» و«أهل الحديث» في مجال الفقه والشريعة. وهذا الصراع بدوره لا يمكن فهمه فهما سليما إلا في سياق الصراع الفكري على المستوى الإيماني بين المعتزلة وخصومهم من المعتزلة الاتفاق والتأجيل. وهذا الصراع المعقد يشير من داخله إلى صراع معقد آخر يدور أيضاً على مستويين: مستوى ظاهري، وهو مستوى الصراع الشعبي بين العرب والفرس خاصة، وهو صراع كانت له أبعاد ثقافية وفكرية واضحة، فضلاً عن تجلياته الضمنية في أشكال الصراع الفكري المشار إليه، والمستوى الآخر هو مستوى الصراع الاجتماعي الاقتصادي السياسي، والذي اتخذ في كثير من الأحيان شكل الصراع الفكري الديني، وتمحور في النهاية حوله. تفسير النصوص الدينية.
- "تعزيز الهوية الثقافية فى الجمهورية الجديدة" لقاء لقصور الثقافة بسوهاج
- خلال أيام.. إطلاق فعاليات الملتقى الدولي لفنون الخط العربي بالقاهرة
فإذا كان الفقه الشافعي، أو بالأحرى مبادئه الفقهية، يتركز في أربعة مبادئ: القرآن والسنة والإجماع والقياس، ثم كان في ترتيبه لهذه المبادئ دائما يبني المبادئ اللاحقة على المبادئ السابقة. وشرعية السنة -أي كمصدر ثانٍ للتشريع- تقوم على الكتاب، وعلى الأدلة المستخرجة من ألفاظها أو مفهومها، ويكاد القارئ لمؤلفات الشافعي أن يجزم بأنها تثبت السنة. هو أحد اهتمامات مشروعه الفكري، إن لم يكن في الواقع همه الأساسي؛ ولذلك يجب ألا يغيب عن بالنا المعنى العام لللقب المطلق عليه -ناصر السنة- من حيث أنه -من حيث الخلاف- يشير إلى تيار فكري آخر لا يضع أهل السنة في المرتبة الثانية من حيث المبدأ التشريعي أو المذهبي. ولذلك لم يكتف الشافعي بأن يبني السنة على الكتاب، بل حاول أن يثبتها كجزء عضوي من بنائه من الناحية الدلالية، إذ أن الكتاب والسنة بناء دلالي عضوي واحد. والذي يستطيع الشافعي أن يبني عليه الإجماع يصبح نصا تشريعيا يستمد معناه من معنى النص الجامع للكتاب والسنة المبدأ الرابع والأخير في أصول الشافعي – تشبيه / اجتهاد – أصبح . اشتقاقاً من نص مؤلف من المبادئ الثلاثة السابقة، والحقيقة أن هذا الترتيب للأدلة هو ترتيب يعتمد أساساً على تحول “اللانص” إلى مجال “النص” وتنصيبه نصاً. لا يقل في قوته التشريعية وطاقته الدلالية عن «النص» الأساسي الأول، القرآن، وآلية تحويل «اللانص» إلى «نص» وصولاً إلى «النص». تقليص مساحة الاجتهاد، وربطه بشكل وثيق بالنصوص، وهي آلية لا تخلو من أهمية عقائدية، في السياق التاريخي لفكر الشافعي، وفي فكرنا الديني الحالي، وفي تحليلنا الملموس لفلسفة الشافعي. وسنحاول في نصوص الشافعي الكشف عن تلك الدلالات، لكن الأهم في سياق هذه المقدمة هو التأكيد على أن تحليلنا لأصل الإمام، في الأساس، لا يعني للفصل بينهما بقدر ما يعبر عن ضرورة منهجية.