مقدمات الكتب.. ما يقوله نصر حامد أبو زيد في "الاتجاه العقلي في التفسير"

نواصل سلسلة مقدمات الكتاب، ونتوقف اليوم مع كتاب “المنهج العقلي في التفسير: دراسة في مسألة المجاز في القرآن عند المعتزلة” لنصر حامد أبو زيد يقول في المقدمة إلى الكتاب؟

مقدمة:

لقد اهتم الباحثون بأثر القرآن الكريم في ظهور العلوم العربية بشكل عام، وفي ظهور علوم النقد والبلاغة بشكل خاص.

وحاولوا في العديد من الدراسات الكشف عن هذا التأثير وتحديد خصائصه وأبعاده، واختلفت زوايا البؤرة بين الباحثين باختلاف زوايا السقوط.

وأهم موضوع البلاغة، وهو موضوع “المجاز”، لم يحظ بدراسة مستقلة تناولت ظروف نشوئه وتأثير القرآن في تحديد طبيعته ووظيفته في التعبير البليغ.

وقد أشار الباحثون بشكل خاص إلى تأثير المعتزلة في تقادم مفهوم “الاستعارة” من خلال جهودهم الحثيثة في إنكار التصورات الشعبية عن الذات الإلهية وأفعالها موضوعا أعم، وهو موضوع الصورة الأدبية في النقد العربي، وأهم هذه المراجع هو الفصل الذي ذكر فيه د. وقد خصصه مصطفى ناصف للمؤثرات الروحية في دراسة الاستعارة، في كتابه “الصورة الأدبية”، كما بعده د. أشار جابر عصفور في مقدمته. وبالنسبة للفصل الخاص بأنواع الصورة البلاغية، في كتابه «الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي»، فقد كان لهذه المراجع -رغم عموميتها- فضل تنبيه الباحث إلى أهمية الموضوع، وأهمية الموضوع. بحاجة إلى دراسة تفصيلية تهدف إلى تلك العلاقة الوثيقة بين فكر المعتزلة ودراسة المجاز في القرآن وهي العلاقة التي كان لها الأثر وقد اتجه – بلا شك – في اتجاه دراسة الاستعارة، ولا سيما في دراسة الشعر والنثر.

ولكي يحقق الباحث هذا الهدف كان عليه أن يعتمد بشكل رئيسي على المصادر الأصلية لفكر المعتزلة، دون مصادر أخرى تؤرخهم أو تحكي آراءهم. ولم تتاح هذه المصادر إلا لفترة زمنية قصيرة لا تزيد عن عشر سنوات. وأهم هذه المصادر مؤلفات القاضي عبد الجبار الأسدآبادي المتوفى سنة 415هـ. وهذه وظائف كثيرة ومتنوعة. ومن أهم هذه المؤلفات موسوعته العظيمة “المغني في أبواب التوحيد والعدل” وهي مكونة من عشرين جزءا، ستة منها ما زالت مفقودة، وهي الأجزاء؛ الأول والثاني والثالث والعاشر والثامن عشر والتاسع عشر. ولم يمثل حجم هذه الأعمال صعوبة بالنسبة للباحث، بل تكمن الصعوبة الحقيقية في معاناة فهم هذه المادة المعقدة بلغتها المعقدة، والتي كثيرا ما اضطرت الباحث إلى كتابة جمل مقدما ثم يحاول بعد ذلك إعادة بنائها، و حتى أنه في كثير من الأحيان كان يحللها كلمة كلمة، حتى يتأكد من فهمه للفكرة التي ينوي التعبير عنها عنها. إذا أضفنا أن عملية تأليف هذا الكتاب العملاق لا تكاد تتجاوز مجرد نسخ المخطوطة الواحدة التي تعتمد عليها في أغلب الأحيان، إلى شرح المصطلحات أو بيان أفكار المؤلف. وإذا أضفنا كل هذا ندرك العبء المزدوج الذي كان على الباحث أن يتحمله؛ عبء فهم النص وتقييمه معًا.

وأمام هذه الصعوبات رأى الباحث ضرورة أن يقتصر حدود بحثه على القرن الرابع الهجري – عهد القاضي عبد الجبار – دون أن يذهب إلى أبعد من ذلك، فهذا القرن الذي شهد النضج النهائي لفكر المعتزلة – في عصر نهضتها الثانية في بلاط الدولة البويهية. وكانت الإشارة إلى الأعمال اللاحقة تهدف في بعض الأحيان إلى توضيح الفكرة وتوضيحها دون التركيز على تحليلها في هذه الأعمال.

ومن الطبيعي أن طبيعة المادة هي التي تحدد طريقة العلاج وطريقة العرض على الباحث. وإذا كان البحث اللغوي والدلالي في كتابات المعتزلة متناثرا ومشتتا، كان على الباحث أن يحاول وضعه في قالب يحقق مبدأ الوحدة الفكرية الذي تمنى المعتزلة أنفسهم تحقيقه، ولو كانوا كذلك. وقد حققوه بوسائلهم الخاصة التي كانت في معظمها خاضعة لأسلوب التأليف القديم، ذلك الأسلوب الذي اعتمد على الإنحراف والتفصيل والتفرع. هذا بالإضافة إلى ما ميز المعتزلة بشكل خاص من حيث الجدل من خلال الرد على اعتراضات المعارضين أو تصور الاعتراضات التي ذكرها المؤلف لنفسه.

وإذا كانت الاستعارة وسيلة خاصة للأداء اللغوي، فإن أي فهم لطبيعة الاستعارة ووظيفتها لا يمكن فصله عن بعض التصورات لطبيعة اللغة ومعناها. ويتم هذا الإدراك لطبيعة اللغة في ضوء تصور أكثر عمومية لطبيعة النشاط العقلي في سعيه للمعرفة. وكان لإجلال المعتزلة لأهمية العقل، الذي ميزهم عن غيرهم من المتكلمين، أثره في وعيهم بالارتباط بين دراسة المجاز ومجالات اللغة والمعرفة بشكل عام. ومن ثم كان من الطبيعي أن ينقسم البحث إلى مقدمة وثلاثة فصول.

تتناول المقدمة نشأة فكر المعتزلة وتحاول تفسيره في ضوء الأوضاع الاجتماعية للمجتمع الإسلامي في أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني الهجري، وذلك لبيان العلاقة بين فهم الواقع و مو. الفكر التازيلي بأبعاده المتعددة. تناول الفصل الأول العلاقة بين العلم والمعنى اللغوي عند المعتزلة، كاشفاً عن أثر الفكر الديني المعتزلة في تشكيل اللغة بين أنواع المعنى العقلي، مما يجعلها آخر هذه الأنواع. وكانت الشروط التي وضعها المعتزلة لصحة الدلالة اللغوية مقدمة طبيعية لمناقشة مفهوم الاستعارة وفق مراحل ظهور علم التفسير لدى المعتزلة، وللعلاقة بين نضج الاستعارة. المفاهيم البلاغية بشكل عام، وتفسير النص القرآني لتوضيح الاختلافات بين المذاهب المختلفة. إلا أن هذه العلاقة بين الاستعارة والتأويل تحتاج إلى فصل خاص -الفصل الثالث- ليكشف عن هذه العلاقة على المستويين المعرفي والديني -بشكل أكثر عمقا.

واعتمد البحث بشكل رئيسي على المقارنة بين المعتزلة والأشاعرة على وجه الخصوص، وهي مقارنة تهدف إلى الكشف عن خصوصية فكر المعتزلة بعمق دون الخروج عن الأصول الفكرية لشرح الأشاعرة. وهذا أمر يتطلب بحثا مستقلا.

وكل ما يأمله الباحث أن يكون قد نجح في الكشف عن جانب مهم من تراثنا الديني الإسلامي في مجال البحث النقدي والبلاغي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top