مقتل عثمان بن عفان.. طه حسين يذكر حديثه مع أصحابه حول "الفتنة الكبرى"

اليوم ذكرى استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين في بيته. معه يحدث أصحابه أنه قتل من ذلك اليوم. فلما قال له أصحابه: أعصمك الله من عدوك يا أمير المؤمنين، قال: لولا أنك قلت إن عثمان يريد لحدثتك قصة عجيبة. قالوا: لا نقول ذلك. قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر فقال لي: «أفطر معنا الليلة يا عثمان».

ثم واصل عثمان حديثه مع أصحابه فقال لهم فيما قال: لماذا يقتلونني؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إيمانه، أو رجل كفر بعد إيمانه، أو الزنا بعد زواجه. أو قتل النفس بغير النفس». والله ما زنت قط في جاهلية ولا إسلام، ولا تمنيت الرد في ديني منذ هداني الله، ولا قتلت نفسا، فلماذا يقتلون؟ ثم زاد في حديث أصحابه فقال: إن قتلوني، فلن يصلوا بعدي أبدًا، ولن يقاتلوا عدوًا معًا أبدًا. ثم كلم أصحابه ونهاهم عن القتل والقتال، وهم يحثونه على قتالهم سوف يصبر على العهد الذي قطعه معي حتى أقع في الصرع الذي فيه عزم لي على الصرع. وظل يتنقل بين هذه الأحاديث مع أصحابه حتى اقتربوا منه فقتلوه.

ويختلف الناس عنه وعن قاتليه اختلافاً كبيراً وواسعاً. ولكن الأمر الذي لا يقبل الشك أو الجدل هو أن الله لم يأذن في أن يراق دم عثمان على قاتليه. وقد يكون مخطئا في سياسته، أو قد يكون على حق، وقد يكون أصحابه قد أخطأوا، بعلم أو بغير علم. أقصى ما يجوز لمن يستنكره ومن يعارضه أن ينتفض معه ويدفع الأمة إلى هذه الثورة. فإذا انتصروا في توحيد الكلمة على مخالفته، اختاروا من بين المسلمين ممثلين للمدن والأقاليم، وكان هؤلاء الممثلون يتحاورون مع عثمان، ويناظرونه، ويتحدثون معه، ويسمعون منه. فإن رأوا استحسانه أقروه، وإن رأوه مخلوعاً عزلوه، ثم اختاروا للمسلمين إماماً مكانه، ثم تركوا للإمام أن يحاسب عثمان على ما كان من أموال وأموال. الدم الذي يمكن أن يكون أمامه. وأما المتمردين الذين انتدبوا، ولم يعينهم المسلمون عنهم، فيعزلوا الإمام، فلم يكن لهم. ولماذا لم يخلعوه بل سفكوا دمه، وكان دمه حراماً كدماء جميع المؤمنين، وكان لدمه بعد ذلك حرمة أخرى هي حرمة الخلافة؟

ويكثر الناس لتبرير هؤلاء الثوار، فيقولون: لم يستطيعوا خلعه خوفاً من عماله في مصر والشام والعراق، ولم يستطيعوا انتظاره خوفاً من هؤلاء العمال. لكانوا قتلوه أو قتله عماله. ولكن كل هذه الأعذار لا تبيح لهم أن يسفكوا الدماء التي حرم الله، وأن يستحلوا سلطة الخلافة بهذا الشكل.

ولعل العذر الوحيد الذي يصلح لهم، كما فعل لعثمان ومن جادل بعدهم في هذه القضية، وسفك دماءهم بأيديهم، واستحلال الأنفس والأموال التي حرم الله، هو أن ظروف الحياة كانت أقوى منهم جميعا. وقضى الله أن يفتنوا في دينهم ودنياهم، هذه الفتنة الكبرى التي أحسن علي بيانها لأهل الكوفة عندما قال: «لقد غلب عثمان وكذبتم به فخفتم فخنتم». “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top