خالد دومة يكتب: لمن يشتكي النهر؟

كان يسمع عند هذا النهر كل الأحاديث المتنوعة والمعقدة التي دارت بينهما، أحاديث الحب والشغف، أحداث الحياة التي حلت بهما، أسعدها وأتعسها، لحظات مختلطة وابتسامات ودموع، وكان النهر يتقاسم كل شيء. معهم ويرقص عندما تختلط السعادة بين قلوبهم ويرمي الماء عندما يخافون ويستمع إلى كل كلمة وكل نبضة تخرج من قلوبهم، ويتحمل كل معاناة تبقى. علامة تجارية. في حياتهم.

التقيا على جانب من شاطئه المنعزل، وكتبت أيديهما على رماله عبارات لا تزال محفورة. وفي عيد الميلاد كان يحتفل ويفرح وينتعش بسماع موسيقى الكلمات، ونظرات عينيه مليئة بالشوق. وكان قد غاب عن النهر في الأيام التي أصابه فيها الأرق والارتباك، لكنه لم يفعل. يائسًا من لقائهم مرة أخرى، فسأل العشاق الجدد، لكن لم يخبره أحد عن مصيرهم وسبب غيابهم. كل هذه الغيبة؟ استمر الأمر شهورًا يتذكر وقوفها بجانب الصخرة، صوته العالي في فضاء النهر، يستطيع أن يهزم الواحدة، كان الحب بطانية، معطفًا لتدفئ نفسها به، قبلاته للنهر. عادت خجولة إلى خدود حبيبته المبتسمة، فاستقبلتهما بشفتيها الكرزيتين. استنشقوا رائحة النهر.

كان النهر يتغزل بهم، يغار منهم، يلعب كالأطفال حول ظلهم. فأخذ بين يديه من ماء النهر ليسقيها، فيجري ماؤه في عروقها فيحيي الأوردة والشرايين. فلما انتشروا وجلسوا في مواجهة النهر أملى عليها قصائده. وكان النهر جمعًا كبيرًا محبًا، يصفق لكل آية من فمه، من كلمات محبته، ويقدمون له تحية وقبلة في. الهواء الذي يستولي عليه ويحتفظ به في أعماقه ويدفئ أعماقه من صقيع الزمن الطويل، في ظهيرة اليوم الذي احتفلوا فيه بعيد ميلادها. كانت الشمس مشرقة، وكان الهواء نسيمًا منعشًا. أشعلوا شمعتين ونظروا إلى السماء جميعاً فقال لها إن ذلك النور كان انعكاساً لنور خديك الرخاميين لأن السماء لا تعرف… هي لا تعرف سوى نور وجهك. تبتسم وتكاد قطرات الدم تسيل من وجهها من الخجل والحياء يطفئ الشمعتين بنفخة صغيرة ويشاركهما النهر والنسيم. وبينما كان الهواء الناعم يلوح ويحرك خصلات شعرها الذهبي اللامع، أرسلت سحابة عابرة تحياتها، ونجم عال يمر، تحيات شعاع الشمس الغارب، تحية أمواج النهر، سمعوا صوته وهتفوا، تلقى البركات والتحيات من الطبيعة.

لقد كان مثل حفل زفاف، كان أصيلاً ورائعًا. ترك رائحتهم على النهر الذي لن ينقطع إلى الأبد، ليكتب على صفحاته ما رأى، ويشهد لهم وعليهم، وكان للظلام رغم كل شيء ملامح النهر و يختفي الماء، ويهدأ صوته، يشير إليه ويودعه ويرحل، كانت آخر ليلة وآخر خطوات وآخر لحن سمعه النهر. وآخر شعاع نور، لم يكن هناك جدال أو مشاجرة، كان حديث الحب آخر ما جاء إلى أذني، فأين اختفوا، وأين ذهبوا، وتركوني مشغولا مكروبا ومكروبا، و فلما سأل النهر عنهم لم يجبه أحد، بكت أمواج النهر، ولم يلتفت إليه أحد، ومن يومها النهر في حداد، لا راحة، وهناك ولا علاج لما حدث لها عندما ترى حبيبين تثور وتحاول أن تنسى. ترميه في بحر من الحزن والألم، فيستمر في البكاء والصراخ كالأطفال الصغار، ثم يتمنى من جديد على نفسه أن يعودوا يوماً، وغداً لا يأتي، والأيام تمر هباءً. وتتراكم الأحزان، وتلهبه سياط الكلمات، عندما تتردد في أعماقه وأمواجه. لمن يشكو النهر؟ هل أنهار الحزن تموت، تتوقف عن العطاء، تتوقف عن الحب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top