صدر حديثًا .. "فلسفة السينما" كتاب لـ محمود الغيطانى عن المخرج المجرى بيلا تار

صدر مؤخراً كتاب “فلسفة السينما: بيلا تار” للناقد السينمائي محمود الغيطاني، عن دار فضاءات في العاصمة الأردنية عمّان، في 450 صفحة كبيرة الحجم، استكمالاً لمشروعه النقدي الذي يتناول مجموعة ما. من كبار المخرجين من جميع أنحاء العالم مع النقد والتحليل.

ويتناول الغيطاني في كتابه نظرة المخرج المجري بيلا تار للسينما، واستخدامها كأداة للتفلسف والتأمل فيما يجري حوله في العالم. ومن المعروف أن تار يعد من أهم المخرجين في أوروبا، وخاصة دول أوروبا الشرقية، وذلك بسبب أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره من المخرجين من مختلف أنحاء العالم، وتسجيله في عالمه السينمائي، والذي يبدو في النهاية منفصلاً عن عالم الحياة الذي يحيط به، المنغمس في رؤيته وأفكاره؛ مما لا يجعل استقبال أفلامه سهلاً على المشاهد، باستثناء المشاهد المتدرب على مشاهدة أفلام ذات خصوصية أسلوبية.

تميز المخرج المجري، واستخدامه للتصوير السينمائي كأداة للتأمل، جعله يمتلك أسلوبًا خاصًا بالكاميرا البطيئة للغاية، بكل ما يدور حولها، أو الكاميرا ذات الشخصية المستقلة المنومة. حيث تستطيع كاميرا المخرج التحكم في المشاهد وكأنها تمكنت من تنويمه مغناطيسياً.

ويؤكد لنا الغيطاني أن تار أراد دراسة الفلسفة، لكن فيلما وثائقيا -مفقودا الآن- صنعه عندما كان في السادسة عشرة من عمره عن العمال المؤقتين في المجر، ووضعهم القانوني هناك، أثار حفيظة السلطات السياسية ضدهم. له، ثم حُرم من دراسة الفلسفة؛ مما يجعله يستمر في صناعة الأفلام ويمارس من خلالها نظرته الفلسفية وحتى النقدية للسياسة الشيوعية.

يقول الغيطاني: في أفلام بيلا تار هناك فيلسوف يهرب من عالم الفلسفة إلى عالم السينما، أو مخرج سينمائي يفكر بطريقة فلسفية تتميز بالكثير من الحكمة والتأمل والصبر على جميع الكائنات. مما أعطى حركة كاميرا تار أسلوبًا خاصًا يختلف عن غيره من صانعي الأفلام ويميزها عن الجميع. الكاميرا هنا كائن حي يشعر ويفكر ويتخذ قراره ويتأمل ويتجسس ويراقب الجميع. كائن فخور بنفسه، قادر على الفعل والرفض والقبول، كائن حريص على ترك مسافة بينه وبين شخصيات الفيلم، حتى لو أصبحت الكاميرا هنا كائنًا إضافيًا، شخصية سينمائية يمكنها أن تؤدي مثلها تمامًا. أي ممثل في حدث الفيلم.

وبسبب سيطرة هذا الفكر الفلسفي على بيلا تار -الذي حرم منه- فإن أغلب صوره المتحركة مصبوغة باللون الفلسفي، مما يتركنا مع فيلسوف يعبر عن أفكاره من خلال الصور. وهو ما جعل الكثير من صناع السينما يحترمون الأفلام التي قدمها، وهذا هو التقدير الذي ساد عالم صناعة السينما تجاه المخرج، وجعله صاحب اتجاه سينمائي يحاول الكثيرون حول العالم اتباعه، على اعتبار أن تار هو رائدة صناعة السينما الفلسفية، وكذلك السينما البطيئة التي تتميز فيها الكاميرا بالكثير من الكسل، وعدم الرغبة في التحرك بسهولة، بالإضافة إلى الاستمرار والاعتزاز باللونين الأسود والأبيض. التصوير الأبيض.
ويتحدث المؤلف أيضًا عن الموقف الأيديولوجي للمخرج بقوله: إذن، في عالم تار السينمائي، لا نواجه موقفًا أخلاقيًا – تار ليس أخلاقيًا – بل هو موقف فلسفي في المقام الأول، موقف يتأمل العبء وجود الإنسان في الحياة، العبء الوجودي الملح في عالم بلا إله يمكن اللجوء إليه، أو الاعتماد عليه – كل الكائنات في فراغ كامل لا معنى له – ولذلك يجب على كل كائن أن يتحمل مأزقه الوجودي. ويجب أن يتعامل معها بطريقته الخاصة ليحقق الخلاص، وهو الخلاص الذي لا وجود له. أخيرًا وصل إليه شخص ما.

سينما بيلا تار هي إحدى دور السينما التي لا يمكن التعامل معها بسهولة. إنه يحتاج إلى مشاهد خاص، مشاهد يستطيع أن يتحمل مشاهده الطويلة إلى الأبد، وتلاعبه بالزمن الذي لا ينتهي، وهو زمن تم تشييئه إلى درجة أنه يكاد يكون كذلك. الجلوس على صدر الجميع.

بالنسبة لتار، الزمن كيان مستقل بذاته، ذو كثافة ووزن لا يطاق، قادر على تغيير حياة الناس نحو الأفضل، وغالبًا ما يكون قوة دافعة نحو الجنون، ويخلق سلسلة من السلوكيات غير الطبيعية بسبب ثقله. ولذلك، فإن جميع الشخصيات تحت تأثير الزمن الصعب، غير المتحرك، الثابت، الموضوعي، الكثيف، وكأن له ثقلاً، يحاول دفع الزمن إلى الأمام بكل الطرق، حتى لو لم يتحرك بسهولة بكل جهودهم؛ مما يجعلهم يشعرون بالاختناق والإحباط الشديد، مما يدفعهم إلى الجنون ويقومون بالعديد من التصرفات التافهة التي لا معنى لها، ويكررونها إلى الأبد رغم عدم جدواها، فقط لتمضية الوقت، أو للتقدم به بضع خطوات حاولوا التحرك ولهذا السبب فإن معظم شخصيات فيلمه يشربون الكحول طوال الوقت -ربما لنسيان عبء الوقت- والحانات هي إحدى أهم مفردات عالم تار السينمائي، على الرغم من البؤس المبالغ فيه الذي يحيط بهم من كل جانب، والفقر المدقع.

ويتناول الغيطاني في كتابه سينما المخرج، ويقسم الكتاب إلى خمسة فصول: في الفصل الأول الذي كان بعنوان “في الفيلم التاسع بعد “الحادثة”، تناول الناقد بالبحث والتحليل حياة المخرج”. المخرج المجري، الأسباب والظروف والأيديولوجيات التي دفعته إلى صناعة الأفلام، ولجوئه إلى الفيلم للتعبير من خلاله، عن نظرته الفلسفية المتشائمة للعالم وما يدور حوله، وتأثيره على تابع عدد كبير من المخرجين أسلوبه السينمائي، خاصة في بطئه وعدم تصويره.

وفي الفصل الثاني يناقش الناقد بالنقد والتحليل الأفلام الروائية الطويلة للمخرج وهي تسعة أفلام، أما الفصل الثالث فقد خصص لفيلمه الطويل الوحيد للتلفزيون المجري، وفي الفصل الرابع يناقش الناقد أفلام المخرج الوثائقية، وينتهي بالفصل الخامس الذي يتناول الأفلام القصيرة للمخرج الروائي.

يُذكر أن هذا الكتاب هو التعاون التاسع بين الغيطاني ودار فادات الأردنية التي ألفت في العديد من المجالات المختلفة، منذ نشره في مجال رواية “كائن العزلة” عام 2006م. و”إطارات مرئية” عام 2011م، وهي الرواية التي نال عنها جائزة ساويرس عام 2012م، كما كتب في مجال القصص القصيرة مجموعة “لحظات مناسبة للقتل” 2008م، و” “غير لائق” 2018م.

وفي مجال النقد الأدبي كتب “زيف النقد ونقد الباطل: موت النقد العربي” 2017م، و”الفساد السياسي في الرواية المغاربية” 2018م. كما أصدر كتاب حوارات ثقافية بعنوان “جنة الممسوسين” عام 2018.

وفي مجال النقد السينمائي، ألف الغيطاني العديد من الكتب، منها: “سينما الطريق: نماذج من السينما العربية” بالتعاون مع نخبة من النقاد السينمائيين عام 2007، و”السينما النظيفة” عام 2010، و”غسان عبد الخالق: “السيرة السينمائية” عام 2014، و”صناعة الضجيج: ستون عاما من تاريخ السينما المصرية 1959-2019م”، وهو مشروع صدر منه جزأان حتى الآن. هو 2021م، ومن المتوقع إصدار ثلاثة أجزاء أخرى، “سينما المشاعر المنتهية: وونغ كار واي” 2022م، و”الشغف بالسينما: الهوس بالسينما: لارس فون ترير” 2023م.

كتاب فلسفة السينما

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top