لا تصالح.. قصيدة أمل دنقل الخالدة

وتبقى قصيدة “لا مصالحة” للشاعر الكبير أمل دنقل، الذي توفي اليوم 21 مايو 1983، إحدى عيون الشعر العربي الحديث، وكانت أول قصيدة من ديوانه “قراءة جديدة في الشعر العربي”. حرب البسوس” وفيها يقول:

(1)

لا مصالحة!
حتى لو أعطوك الذهب
هل ترى عندما أفقأ عينيك؟
ثم ثبت حجرين كريمين في مكانهما.
هل ترى..؟
إنها أشياء لا يمكن شراؤها..
ذكريات الطفولة بينك وبين أخيك،
لقد شعرتما فجأة بالرجولة،
هذا الخجل الذي يقمع الشوق.. عندما تعانقه،
صمت، ابتسم لتوبيخ والدتك… وكأنكما كذلك
ما زالوا أطفالاً!
ذلك الطمأنينة الأبدية بينكما:
أن سيفي هو سيفك..
صوتين، صوتك
إذا مت:
المنزل لديه سيد
الطفل لديه أب
هل سيصبح دمي ماء بين عينيك؟
أنسى ثوبي الملطخ بالدماء.
هل تلبس ثياباً مطرزة بالقصب على دمي؟
إنها الحرب!
يمكن أن تثقل كاهل القلب.
ولكن من خلفكم عار العرب
لا تتنازل…
ولا تخف من الهرب!

(2)

ولا كفارة على الدم… حتى بالدم!
لا مصالحة! حتى لو قيل على حدة
هل الرؤوس متشابهة؟
تعامل الغريب مثل أخيك؟!
عيناه عين أخيك؟!
هل اليد متساوية؟ وكان سيفه لك
هل أسلبك بيد سيفها؟
سيقولون:
لقد جئنا إليك لحقن الدم.
لقد جئنا إليك. كن يا أمير القضاء
سيقولون:
هنا أبناء عمومتنا.
فقل لهم: لم ينظروا إلى عموم الذين هلكوا
وغرس السيف في جبهة الصحراء
إلى لا إجابة
كنت لك
فارس،
وأخي،
والأب،
وملك!

(3)

لا مصالحة..
حتى لو منعتك من النوم
صرخات التوبة
وتذكر ..
(لذا​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​ ​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​ ​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​ ​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​​دية عندما عندما يتعلق الأمر بالنساء اللواتي يرتدين ملابس باللون الأسود وأطفالهم يتقاتلون من خلال ابتسامة]
أن ابنة أختك هي “اليمامة”.
زهرة تشرق في سنوات الشباب
بملابس الحداد
سأفعل لو عدت:
اصعد درجات القصر،
أمسك رجلي عندما أنزل..
ثم رفعتها فضحكت
على ظهر الحصان
وها هي الآن… صامتة
حرمتها يد الغدر:
من كلام والدها..
ارتدي ملابس جديدة
أنها قد يكون لها أخ في يوم من الأيام!
من أب يبتسم في حفل زفافها.
تعود إليه عندما يغضبها زوجها.
وعندما يزورها يسارع أحفادها إلى احتضانه.
لتلقي الهدايا…
ويلعب بلحيته (وهو خاضع)
يشدون العمامة..
لا مصالحة!
ما ذنب تلك الحمامة؟
لرؤية العش يحترق…فجأة،
وهي تجلس فوق الرماد؟!

(4)

لا مصالحة
حتى لو توجوك بتاج الإمارة
كيف تدوس على جسد ابن أبيك..؟
كيف تصبح ملكا؟
على وجوه مستعارة من الفرح؟
كيف تنظر إلى يد من صافحك؟
لا ترى الدم…
في كل كف؟
جاءني سهم من الخلف..
سيأتيكم من ألف خلف
لقد أصبح الدم الآن شارة وشارة
لا مصالحة
حتى لو توجوك بتاج الإمارة
عرشك سيف
سيفك : مزيف
لو أن غيبوبته لم تثقل على لحظات مجده
وتم البحث عن الرفاهية

(5)

لا مصالحة
رغم أنه قال من المال عندما يصطدم
“..ليس لدينا الطاقة لشم السم..”
عندما تملأ الحقيقة قلبك:
تندلع النار عندما تتنفس
صمت لسان الخيانة
لا مصالحة
رغم أن كلمات السلام قيلت
كيف تستنشق الرئتان النسيم الملوث؟
كيف تنظر في عيون المرأة؟
هل تعلم أنك لا تستطيع حمايتها؟
كيف تصبح فارسها في الحب؟
كيف تتمنى الغد يا وليد أن تنام؟
كيف تحلم أو تغني عن مستقبل لصبي؟
ويكبر بين يديك بقلب مكسور؟
لا مصالحة
لا تشارك الطعام مع من قتلك
وأروي قلبك بالدماء..
اسقي الارض المقدسة…
وأخبر أسلافك الذين سقطوا…
حتى تستجيب لك الأرجل!

(6)

لا مصالحة
حتى لو كانت القبيلة تتحدث إليك
باسم الحزن “الشريف”.
لتسويق الماكرة
أنت تعبر عن القبول لمن يأتي إليك
سيقولون:
هنا تطلب الانتقام الذي سيستغرق وقتا طويلا
خذ ما تستطيع الآن:
قليل من الحق..
في هذه السنوات القليلة
هذا ليس انتقامك وحدك،
لكن هذا هو الانتقام جيلا بعد جيل
وغدا..
سيولد وهو يرتدي الدرع الكامل،
إشعال نار كاملة،
تسعى للانتقام,
ولدت الحقيقة
من جانب المستحيل
لا مصالحة
على الرغم من أن المصالحة يقال أنها خدعة
إنه الانتقام
وخفتت لهيبه في الضلوع..
ومع استمرار الفصول…
ثم تبقى يد الخجل مرسومة (بأصابعها الخمسة)
فوق جباه الذل!

(7)

فلا تصالحوا ولو حذرتكم النجوم
أخبرك العرافون بالأخبار.
سأسامحك عندما أموت..
بين خيط الحق وخيط الباطل.
ولم أكن متطفلاً
لم أتسلل بالقرب من نواديهم
لم أضع يدي على ثمر الكروم
لم أضع يدي على ثمر الكروم
ولم أطأ تراب بستانهم
قاتلي لم يصرخ في وجهي: “انتبه!”
كان يمشي معي..
ثم صافحني..
ثم سار قليلا
لكنه اختبأ في الفروع!
فجأة:
شعرت بالقشعريرة بين ضلوعي..
اهتز قلبي مثل الفقاعة وانفجر!
وصبرت حتى حملت نفسي على ساعديّ
رأيت: ابن عمي الزنيم
يقف بوجه لئيم
ولم يكن في يدي رمح
أو سلاح قديم
وما كان إلا غضبي يشكو العطش

(8)

لا تتصالح..
حتى يعود الوجود إلى دورته الدائرية:
النجوم… لتوقيتهم
والطيور… لأصواتها
والرمل… لجزيئاته
والقتيل لابنته الرئيسة
لقد دمر كل شيء في لحظة عابرة:
الصبا، فرحة العائلة، صوت الحصان، التعرف على الضيف، نفخة القلب عندما يرى البرعم يذبل في الحديقة، الدعاء لهطول الأمطار الموسمية، مراوغة القلب عندما فإنه يرى طائر الموت.
إنه يطير فوق المبارزة الساحقة
تم تدمير كل شيء في نزوة برية
والذي قتلني: ليس هو الله.
ليقتلني بمحض إرادته
ليس هو أنبل مني… أن يقتلني بسكينه
فهو ليس أمهر مني.. ليقتلني بدوره الماكر
لا تتصالح
المصالحة ليست سوى معاهدة بين طرفين متنافسين.
(على شرف القلب)
لا تقلل
الشخص الذي قتلني كان مجرد لص
سرق الأرض بين عيني
ويطلق الصمت ضحكته الساخرة!

(9)

لا مصالحة
حتى لو وقف كل المشايخ ضد سيفك
والرجال مملوءون بالشقوق
أولئك الذين علقت عمامتهم على أعينهم
سيوفهم العربية نسيت سنوات مجدهم
لا مصالحة
هذا فقط ما تريد
أنت الفارس الوحيد في هذا العصر
وإلى جانبكم… المسوخ!

(10)

لا تتصالح
لا تتصالح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top