محمد على باشا يتولى حكم مصر.. كيف حاكمه نجيب محفوظ؟

اليوم ذكرى تولي محمد علي باشا حكم مصر في مايو من هذا العام، وبداية مرحلة جديدة من حكم مصر. استطاع خلال فترة حكمه أن يبني حياة مصر الحديثة لمحمد علي وفترة حكمه، لكن ماذا قال مؤلف مصر عن “الباشا”؟

كتب نجيب محفوظ في “أمام العرش”:

يُدعى حورس: محمد علي باشا.
فدخل رجل متعلم قوي البنية، ومضى حتى مثل أمام العرش.
ودعاه أوزوريس للحديث وقال: ولدت في مدينة قولة ونشأت يتيمًا، وعندما كبرت ذهبت إلى مصر ضمن حملة لمحاربة الفرنسيين لجلاء مصر وبدأت في دراسة أحوالها. والتفكير في المستقبل انكشف لي ضعف العثمانيين ووحشية المماليك، وانتبهت إلى قوة ثالثة لا يعتبرها أحد، وهي القوة. من أهل البلد وقياداتهم، فقررت أن أوثق علاقتي بهم؛ وربما توفر الأساس الذي سأقيم عليه دولة جديدة تستعيد مجدها القديم. وقد نجحت في ذلك كثيرًا، حتى خلع الناس الوالي التركي وبايعوا لي حاكمًا مكانه. لقد اعترف الباب العالي بالأمر الواقع. فاستقر الأمر عندي، وبدأت العمل ولم أتوقف عن ذلك حتى نهاية حياتي، تخلصت من المماليك وهم الشر المقيم، ولدي أمر وردني من الباب العالي بالقتال ضد الوهابية . في جزيرة العرب، فهزمتهم وكوّنت جيشًا من المصريين وفتحت السودان. ومصانع للجيش، كما أنشأت قوة بحرية بمساعدة خبراء في كل ذلك. والفرنسيون وأنا لم نهمل الإصلاح؛ أدخلت محاصيل جديدة، مثل القطن والنيلي والأفيون، وزرعت الأشجار والحدائق، كما بنيت مدارس الطب، وأرسلت وفوداً من أهل البلاد إلى فرنسا، أرض الحضارة الحديثة والأمن، وتحت قيادتي الأعظم. وكانت الأعمال هي الأقواس الخيرية. كما أنشأت أول مطبعة في الشرق، وطلبت مني مطبعة بولاق القتال في المورة والشام، وحققت انتصارات عظيمة. حتى ضرب الرعب قلب الباب العالي نفسه. أراد أن يوقفني وحدي، ولكنني… حاربت ضده وغزوت بلاده، وكدت أستولي على عاصمته لولا تدخل الدول الأجنبية التي كانت تخشى أن تتجدد دولة الإسلام بيدي لا في مقابل جعل مصر وراثية في بيتي، اضطررت إلى تصفية الجيش والعديد من المدارس والمصانع، وساءت حالة البلاد وأخذت عقلي ثم حياتي.

وقال خوفو: كأنها أسرة فرعونية جديدة رغم أصلها الأجنبي.

فقال تحتمس الثالث: لقد استعدت إمبراطوريتي، وأنا أشهد على مهارة قائدك، ولكنك فقدتها خلال حياتك، وهي أقصر إمبراطورية عمراً في التاريخ. إنني أتعجب كيف قتلت عشرين ألفاً انتقاماً لابنك، وكأنك لم تسمع بسياستي الحكيمة في الأمم المفتوحة؟

محمد علي قال: لم أسمع بها، ولم يهتم أحد بآثاركم حتى اهتم بها علماء البعثة الفرنسية وحلوا ألغاز لغتها، ولكني أستلهم حكمتي من التعامل المباشر مع الناس!

فقال تحتمس الثالث: أنا أشهد على عظمتك، وفي ضوء ذلك أتفهم غطرستك، وكنت سأتسامح معك لولا النهاية السريعة والمؤسفة التي قادت إليها إمبراطوريتك. وهذا يعني أن وعيك، رغم ذكائك، لم يكن كاملا. لم تفهم أبعاد الوضع الدولي جيداً، فتحداه دون أن تدري. لقد عرضت نفسك لقوة خارجة عن إرادتك.

-كنت أظن أن فرنسا ستقف بجانبي حتى النهاية!

قال الحكيم بتاح حتب: ولا يحميك من شبهة قصر النظر.

قال محمد علي: كانت هناك فرصة جيدة لتجديد الدولة الإسلامية من وجهة نظر مصر الفتية.

فقال أخناتون: إنني أدرك ذلك تماماً. أحيي طموحكم في إحياء دولة الرجل الواحد!

فقال الملك خوفو: ليتك استثمرت عبقريتك وأحلامك في تحصين مصر، وترضي بذلك.

قال أبنوم: لم يكن إيمانك بالشعب كاملا، ولم يكن حبك لهم كافيا لتبذل جهدا حقيقيا لإحيائهم ودعمهم. لقد استخدمت الفلاح من أجل الأرض والدولة، وكل مؤسسة يجب أن توجه لخدمة الشعب، ولكن فقط من كان مثلي يفكر بهذه الطريقة… ومهما حدث، فلن أنسى أرباحك المزارعين في مجالات الإدارة والسياسة. العسكرية والعلمية.

وهنا قالت إيزيس: ولهذا السبب أعتبر هذا الحاكم الغريب أحد أبنائي.
قال أوزوريس: لو كانت هذه المحكمة هي التي ستقرر مصيرك لكنت وجهت لك نقدا شديدا وتوبيخا لاذعا، واحتفظت لك بحقك في مقعدك مع الخالدين، وسنرفع الأمر فيك إلى مجلتك الإسلامية. سجل أعمالك العظيمة، وسوف تعتبر في مجملها تزكية لشخصك من مصر وآلهتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top