صدور العدد العاشر من "دورية نجيب محفوظ" عن المجلس الأعلى للثقافة

أعلن الدكتور حسين حمودة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن صدور العدد العاشر من مجلة نجيب محفوظ المرأة في عالم نجيب محفوظ والتي يصدرها المجلس الأعلى للثقافة.

وقال حسين حمودة في هذا الشأن: “انتشرت عدة أوهام في كتابات نجيب محفوظ، منها أنه لم ينصف المرأة، أو أنه قدم صورة سلبية عنها في أعماله، أو أنه توقف عن نماذج سيئة لها”. مستوى أخلاقي والحقيقة أن هذا الوهم، الذي يقترب أحيانًا من حدود الاتهام، بكل “تنوعاته”، نابع من “قراءة خاطئة” وأحيانًا “عدم قراءة” لأعمال نجيب محفوظ.

وأضاف: “البعض حكم على هذه الأعمال من خلال النظر فقط إلى الأفلام المأخوذة منها، والبعض حكم عليها من خلال قراءة سطحية لها، دون أن يمنحها القراءة التي تستحقها، وهو ما يستحقه كل عمل أدبي بشكل عام، وهذا هي القراءة التي، كما نعلم جميعًا، لا ينبغي قراءتها.” تتعامل مع العمل الأدبي بمعزل عن سياقه، ولا تتجاهل الظروف المتعلقة بـ«الزمن المرجعي» الذي يجسده هذا العمل، وتأخذ في الاعتبار أن العمل الأدبي، وخاصة العمل الروائي، لا يقدم في الأساليب الإرشادية، “النماذج” الإيجابية أو المثالية التي يجب اتباعها، أشبه بوضع “علامات” تشير إلى الطريق الذي يجب سلوكه، وهذا الاتجاه الأخير كان وراء تصورات مضللة، سائدة في بعض الفترات لها، حول طبيعة أو وظيفة الدور الذي “ينبغي” أن يلعبه الأدب للروائي في خدمة بعض الأفكار أو المعتقدات أو الأيديولوجيات.

وقال حسين حمودة إنه بعيدا عن القراءات السطحية أو الأخلاقية، وببساطة تمثيلا، يمكن الإشارة إلى أن شخصية “المرأة السلبية” الأكثر وضوحا وشهرة في كتابات محفوظ، ممثلة بـ”أمينة” في الرواية لا يمكن الحكم على “الثلاثية” دون تجاهل الظروف التاريخية والبيئة الاجتماعية التي أحاطت بها. إن صياغة شخصية «أمينة»، رغم ارتباطها بسياق الزمن المرجعي التاريخي الذي تحتفي به «الثلاثية»، إلا أنها كانت بمثابة تشخيص سردي للتقاليد والعادات التي ما زالت تحرم المرأة من معظم حقوقها في العقود الأولى من القرن الماضي. القرن الماضي، وفي تلك الشريحة من المجتمع المصري. ومن ناحية أخرى، إذا نظرنا إلى صياغة هذه الشخصية نفسها ضمن المسار الذي سلكته الرواية، وهي “رواية زمن” بقدر ما هي “رواية مكان وشخصيات”، فإننا سنربط هذه الصياغة . بأبعاد «التحول» و«التغيير» التي احتفت بها هذه الرواية.

“الثلاثية” في قراءة جيدة لها اهتمت برصد حركة الزمن وتحولاته التي تحدث في المنزل وعائلته، وفي هذا الصدد يمكننا بسهولة أن نلاحظ اختلافات واضحة وملحوظة تحدث على المستوى عن علاقات الشخصيات بين بداية الرواية ونهايتها، وعما إذا كانوا مخلصين في الأماكن الأولى من السرد، سألها زوجها السيد. أحمد عبد الجواد، معاقب لخروجه من المنزل دون إذنه في أماكن لاحقة من السرد، تحصل على بعض الحرية النسبية، حيث أنها لم تعد بحاجة إلى مثل هذا الإذن، في الواقع نرى في تلك الفترات المتأخرة نوعًا من “تبادل” الأدوار بين أمينة وزوجها: يصبح بسبب المرض محبوسًا في المنزل ولا يخرج منه، بينما تذهب هي بحرية لزيارة العديد من المعالم السياحية في القاهرة. إضافة إلى هذا، يمكننا أيضاً في “الثلاثية” نفسها، وفي أواخر فترة مرجعيتها، أن نجد شخصية مثل “سوسن حماد”، الفتاة العصرية المثقفة الثورية التي تعمل في الصحافة وتنتمي إلى عالم جديد في الطريق. للتحرر من قيود الحرية، وتكاد تسقط. كما تكمن المفارقة الواضحة مع شخصية “أمينة” في القراءة الخاطئة لأعمال محفوظ، وأحياناً حول هذه الأعمال بشكل سطحي، ربما. طريقة “أخلاقية” للحكم. شخص مغرض، اتُهم بالاهتمام بتصوير شخصيات عاهرة في بعض أعماله؛ وكأنه بالتالي “يدعو إلى الرذائل”، دون أن يلاحظ أن شخصيات البغايا هذه تتصف بنبرة الشفقة، ويدينون الظروف الاجتماعية وغير الاجتماعية التي قادتهم إلى هذا المصير البائس، ويهتمون باستكشاف الإنسان. أبعاد هذه الشخصيات، ويسعى البعض منهم إلى “الحياة النظيفة”، أكثر ما يسعى إليه بعض الرجال [ولنستعِد شخصية “ريري” مثلًا في رواية (السمان والخريف)].

وتابع حسين حمودة: “هناك حضور متعدد للمرأة في عالم محفوظ، فمنه حضور واضح للمرأة التي تبحث عن إشباعها، والمرأة النشطة. كما نلاحظ تنوعات هذا الحضور مع شخصيات مثل “إلهام” في الرواية على (تموت الوسادة)، و”زهرة” في رواية (ميرامار)، و”حليمة” في رواية (الحرافيش)، مما يقود “عاشور الأخير” إلى الوعي الحقيقي الذي يتبلور فيه ويمنحه الراحل الأول. ويتخذ خطوات في اتجاه إعادة بناء علاقات العالم التي شوهت ملامحه بسبب الظلم والعدوان، إضافة إلى ذلك يمكن أن نلاحظ أمثلة أخرى لشخصيات نسائية تكاد تمثل “عمود العالم” كما هو الحال بشخصية “العيون الستة” في رواية “عصر الحب”.

وتابع حسين حمودة: كما أن هناك حضورا واضحا للمرأة في بعض نصوص محفوظ، وهي قريبة من حدود الصوفية. إن فهم محفوظ للصوفية هو فهم خاص، يجمع بين الزهد وعدم الانفصال عن حقائق الحياة من ناحية، وحب المرأة باعتبارها ركنا أساسيا من أركان الحياة، وربما جوهرتها الأولى، من ناحية أخرى. ونجد هذا المعنى واضحاً جداً في كثير من النصوص التي يتضمنها مؤلفه (أصداء السيرة). ولم تكن أبعاد التصوف في تصور محفوظ معزولة عن العالم. على العكس من ذلك، كان دائمًا يربط في هذا المفهوم بين الصوفية وحب الحياة… والمرأة، في عالم محفوظ كله، هي أكثر من يستحق الحب.
بشكل عام، وباختصار: لم يبدأ محفوظ في صياغة شخصيات المرأة في أعماله من وجهة نظر تقلل منها، ولم يقدم محفوظ في أعماله أي أمثلة واضحة لشخصيات تتجاوز سياقاتها ضمن هذه الأعمال ولا السياقات الخارجية المختلفة. التي تحيط بعوالم هذه الأعمال، أو التي تنشأ منها هذه الأعمال، وهذا ينطبق على جميع الشخصيات في أعماله، ذكوراً وإناثاً.

وأضاف حسين حمودة أن هذه الطبعة تقترب في تركيزها من موضوع المرأة في عالم محفوظ، وذلك من خلال عدد من المقالات وعدد من الشهادات التي قدمها للمجلة نخبة من المبدعين والمبدعات. وبالإضافة إلى محور القضية، هناك مقاربات نقدية تناولت أعمال محفوظ من وجهات نظر مختلفة. كما أن هناك قراءات لبعض الكتب التي أصدرها، وللرسائل الجامعية المنجزة عن بعض أعماله… وكل هذه المقالات والشهادات والمناهج والرسائل كلها تعتبر أجوبة جديدة. والردود على أعمال محفوظ ومعها، وهي أعمال متجددة، غنية بعوالمها، والتي تظل قادرة على تقديم ما لا نهاية لسبل الرد والرد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top