لقد قدس المصريون القدماء الطبيعة واهتموا بها واحتفلوا بها إلى حد كبير. وقد قسموا السنة إلى ثلاثة فصول، وكان موسم الحصاد هو ما أسموه عيد “شمو”. لقد تم تناقل احتفال شم النسيم منذ آلاف السنين.
ربما بدأ الاحتفال به في عصر الدولة القديمة، وكان الاحتفال بهذا الموسم يرمز إلى إحياء الحياة وإعادة الخلق وخلق الكون ونضارة الطبيعة وعودة الحياة إلى الكون بأجمل مظاهرها . لقد اعتبروا هذا اليوم بداية الزمن، أو بداية خلق العالم كما يعتقدون، وتزامن ذلك الاحتفال، بالملاحظة الدائمة، مع طقس معتدل ونسيم لطيف، فخرجوا إلى الحدائق والمتنزهات واستمتعوا جمال الطبيعة عالم المصريات د. حسين عبد البصير يستعرض احتفال المصري القديم بشم النسيم.
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
- اكتشاف 40 مقبرة غامضة لأطفال من العصر البرونزى فى النرويج
السمك لذيذ
وكان السمك من الأطباق الشهية على موائد المصريين القدماء في هذه المناسبة. أصلها نهر النيل والترع وغيرها، وأسماك النيل هي البلطي والبوري والبياض والمحار والقرموط. وكان قدماء المصريين يحرصون على تناول الفسيخ (السمك المملح) المصنوع من سمك البوري، والذي كان يتم استهلاكه بكميات كبيرة خلال عيد الربيع.
وكان للفراعنة طقوسهم الخاصة التي لا تزال مستمرة في ذلك العيد. وكان هناك مهرجان يقام كل عام في فصل الربيع. واحتفلوا بزيارة المتنزهات وتلوين البيض وتناول الفسيخ والأسماك المجففة والمملحة وركوب القوارب النيلية في النهر الخالد. كان يأكل السمك المملح والبصل والبيض والحمص. عرف المصريون أنواعًا مختلفة من الأسماك، وحرصوا على تصويرها على آثارهم.
- ذكرى فك رموز حجر رشيد.. هل يمكن أن يعود إلى مصر من المتحف البريطانى؟
- اتحاد الناشرين المصريين يوجه دعوة لدور النشر لمنح خصومات على أعمالها
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
وكان المصريون القدماء يحتفلون بذلك اليوم احتفالا عظيما، مثل الانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار عند غروب الشمس. وكانوا ينظمون طقوسًا ويؤدونها خلال العيد، ويتجولون في أرجاء المعبد، بالإضافة إلى تقديم القرابين للآلهة المرتبطة بالزراعة والإنبات.
وحمل الكهنة تمثال المعبود وفي موكب مهيب شارك فيه الجميع، أدى فيه المهرجون والمغنون والراقصون فنونهم، مصورين بعض الأساطير، وكذلك الذين احتفلوا بأعياد الآلهة الذين جلبوا الخير إلى الآلهة ارض مصر الطيبة .
- ندوة عن "دور المجتمع الأهلي في تنمية ثقافة القانون" بالأعلى للثقافة
- اكتشاف 40 مقبرة غامضة لأطفال من العصر البرونزى فى النرويج
احتفالات
ولا يزال المصريون يحتفلون بالعديد من هذه الجوانب عند الفراعنة، وكان هذا الاحتفال من الأعياد المهمة عند الفراعنة، إذ ثبتوا تاريخه في الانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار. وأقيمت الاحتفالات على ضفاف النيل، وسط الحدائق والساحات المفتوحة، وبين الزهور، التي كان لها مكانة كبيرة في قلوبهم. وتقلد أعمدة المعابد الفرعونية، المزخرفة على الطراز الزهري، باقات من براعم الزهور. وكان المصريون يصورون أنفسهم على جدران مقابرهم ومعابدهم ويستنشقون الزهور حباً لسحر الزهور. اعتاد المصريون القدماء أن يقضوا أكثر أوقات الحياة بهجة وإشراقا وحيوية في فصل الربيع، ذلك الفصل الذي تتغير فيه كل الأشياء لتصبح حية ومفعمة بالأمل وجميلة. وكانت النساء يحرصن على ارتداء الملابس الشفافة وتصفيف شعرهن واستخدام العطور لإظهار مفاتنهن. هكذا كانت عودة الربيع، الذي تميز بتفتح الزهور، وكان على مر العصور يستقبله كل المصريين بالبهجة والترحيب. وكانوا يحملون معهم أنواعًا معينة من الطعام الذي يتناولونه في ذلك اليوم، مثل البيض الملون والفسيخ (السمك المملح) والخس والبصل والملانا (الحمص الأخضر)، وهي أطعمة مصرية ذات طبيعة خاصة وترتبط بمعنى الكلمة. الاحتفال بذلك اليوم -عند الفراعنة- لما يمثله لهم.
- اكتشاف 40 مقبرة غامضة لأطفال من العصر البرونزى فى النرويج
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
البيض والخس
بالنسبة للفراعنة، يرمز البيض إلى خلق الحياة من الجماد. بعض النظريات حول خلق الكون في عهد الفراعنة صورت خلق الكون من خلال بيضة، ولذلك فإن تناول البيض في هذه المناسبة يرمز إلى إعادة خلق العالم. وكانوا ينقشون دعواتهم وأمنياتهم للعام الجديد على البيض، ويضعون البيض في سلال من سعف النخيل ويعلقونه على شرفات المنازل أو على أغصان الأشجار، لينالوا بركات الله. عندما قاموا وحققوا أمنياتهم أما الفسيخ فيظهر من بين الأطعمة التقليدية في الاحتفال بالعيد، مع بداية الاهتمام بقدسية النيل. وأظهر المصريون القدماء براعة كبيرة في حفظ الأسماك وتجفيفها وصنع الفسيخ.
- الشيخ محمود الطبلاوى.. آخر حبة فى مسبحة دولة التلاوة ولقب بـ"ظاهرة العصر"
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
وذكر هيرودوت أنهم كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم، وكان البصل أيضًا من الأطعمة التي كان المصريون القدماء يرغبون في تناولها في تلك المناسبة. ارتبط بإرادة الحياة والانتصار على الموت والتغلب على المرض، وكان يستخدم لتعليق البصل في المنازل وعلى الشرفات، كما كانوا يستخدمونه لتعليق رقابهم ووضعه تحت وسائدهم، وهذا الاستخدام منتشر بين الكثير من المصريين حتى يومنا هذا. .
وكان الخس من النباتات المفضلة في ذلك اليوم، وكان يسمى “حب” في اللغة المصرية القديمة. واعتبره قدماء المصريين نباتًا مقدسًا، فنقشوا صورته مع الإله مين إله الخصوبة عندهم. ويحتفل المسيحيون المصريون خلال فصل الربيع بـ”عيد القيامة المجيد” في يوم الأحد الأول بعد اكتمال قمر الربيع، وفي اليوم التالي للعيد، أي يوم الاثنين، يحتفل المصريون (مسلمون ومسيحيون) بشم النسيم، الذي يصادف هذا العام يوم الاثنين.
- أفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.. الحياة العجيبة المختصرة لأوسكار واو - اليوم السابع
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
- ذكرى فك رموز حجر رشيد.. هل يمكن أن يعود إلى مصر من المتحف البريطانى؟
مراسم احتفال مصر بشم النسيم مرت عبر العصور، منذ أيام الفراعنة إلى يومنا هذا، حيث كان المصريون القدماء يبدأون احتفالهم من ليلة هذا اليوم حول نسيم الربيع الذي تحمله نسائم الشمال للترحيب، قبل غروب الشمس، ليشهد غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو غروب الشمس.
ولا يزال تقليد الخروج مبكراً في مجموعات إلى المتنزهات والحدائق وإلى ضفاف النيل الخالد سارياً حتى يومنا هذا حيث يعتني المصريون باستقبال أشعة الشمس في هذا اليوم، وعندما يخرجون يحملون معهم الطعام الذي يرتبط. برائحة النسيم، بالإضافة إلى أدوات العزف ومعدات الترفيه والآلات الموسيقية والدفوف.
- الشيخ محمود الطبلاوى.. آخر حبة فى مسبحة دولة التلاوة ولقب بـ"ظاهرة العصر"
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
- عيد القيامة.. كيف ارتبطت الأعياد القبطية بالمواسم الزراعية؟
أما الفتيات فتزينن بقلائد الزهور، بينما ارتدى الأولاد سعف النخيل المزين بالألوان والزهور وواصلوا الاحتفال طوال اليوم من شروق الشمس حتى غروبها، وأقاموا الحفلات الترفيهية مثل الحفلات الراقصة على أنغام الفلوت، والناي، وموسيقى القيثارة، المصحوبة بقرع الطبول والدفوف، مصحوبة بالأغاني والأناشيد المرتبطة بعيد الربيع.
الفسيخ سيد المائدة
تعتبر الأطعمة التي يتناولها المصريون في شم النسيم من الأطعمة المميزة لهذا العيد، والتي أصبحت من عاداتهم وتقاليدهم المرتبطة بشم النسيم منذ القدم وحتى الآن، تناول بعض الأطعمة في ذلك اليوم، فهو بالنسبة لهم يمثل تجديد عملية الخلق والحياة والخصوبة والنمو، التي ظلوا يفضلونها طوال تاريخهم، والتي تناقلتها أسلافهم إلى خلفائهم، ومن هذه الأطعمة الفسيخ (السمك المملح)، والبصل، الخس والحمص الأخضر (مالانا). وهذه الأطعمة مصرية أصيلة، وترتبط بالبيئة المصرية نفسها.
وارتبطت هذه الأطعمة بين الناس بأهمية الاحتفال بشم النسيم، وتحمل إلى يومنا هذا الاهتمام بتقديس نهر النيل. ويعتقدون أن الحياة وبدء الخليقة من الماء كانت عقائدهم لتفسير أصل الوجود، وكان العالم قبل الخليقة محيطًا أبديًا لا نهاية له، وأن الله الخالق ظهر خرج من المياه وخلق العالم. بمشيئته، ثم أصدر كلمة نطق بها لسانه، وكان أمر الخلق كما كان. وكان قدماء المصريين يعتقدون أن المياه الموجودة على الأرض، سواء كانت أنهارا أو بحارا أو بحيرات، ليست سوى فيض من ذلك المحيط الأساسي الأبدي الذي خلق منه العالم. وبالتالي لم يكن نهر النيل المقدس عندهم إلا فيضاً من مياهه الأبدية، وتلك الأسماك تدل على ذلك.
- تعرف على مجموعة من كتب عباس محمود العقاد.. فى ذكرى رحيله
- عيد القيامة.. كيف ارتبطت الأعياد القبطية بالمواسم الزراعية؟
وقد برع المصريون في عملية تمليح الأسماك وتجفيفها وصناعة الملح والفسيخ. ذكر هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير “أبو التاريخ” في كتابه عن مصر وقال عن المصريين: “كانوا يأكلون السمك المملح في أعيادهم ويرون أن من المفيد أكله في وقت معين من أكل السنة” واختاروا له نوعاً خاصاً ليملحه ويحفظه في الأعياد». كما كان البصل أحد الأطعمة التي كان المصريون القدماء يحرصون على تناولها خلال مناسبة شم النسيم. لقد اعتقدوا أن البصل مرتبط بإرادة الحياة، وقهر الموت، والتغلب على الأمراض والشفاء منها، والتغلب على السحر. لطرد الأرواح الشريرة والتغلب عليها. لقد نسجوا أساطير حول قوته العلاجية وجعلوه طعامًا أساسيًا على موائدهم في الماضي.
- ذكرى فك رموز حجر رشيد.. هل يمكن أن يعود إلى مصر من المتحف البريطانى؟
- الشيخ محمود الطبلاوى.. آخر حبة فى مسبحة دولة التلاوة ولقب بـ"ظاهرة العصر"
الأمير المريض
ومن القصص والأساطير والحكايات المروية وغير المؤكدة في هذا الصدد أن هناك قصة تقول أن أحد ملوك الفراعنة كان لديه طفل وحيد يحبه الناس وأن هذا الأمير الطفل كان مريضا وأصبح مريضا بمرض عضال مما جعله يفقد القدرة على الحركة، ولم يتمكن الأطباء والكهنة والسحرة من علاجه، فظل الأمير الطفل محبوساً عدة سنوات ولم يكن هناك أفراح أو احتفالات بالأعياد يشارك فيها الشعب حزن الملك الفرعون. قدم أطفال المدينة القرابين للإله في المعبد في عدة مناسبات وطلبوا من طفلهم الأمير أن يتعافى من مرضه.
- أسماء الفائزين بجائزة الدولة التقديرية 2024.. حسين حمودة والدماطى أبرزهم
- أفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.. الحياة العجيبة المختصرة لأوسكار واو - اليوم السابع
وفي أحد الأيام استدعى الملك كاهن الاله آمون الأكبر، وأخبرهم الكاهن أن مرض الأمير الصغير كان بسبب وجود أرواح شريرة تسيطر عليه وتمنعه من الحركة بسبب السحر الذي يوضع تحت وسادة الأمير بحيث فيكون تحت رأسه عند غروب الشمس بعد أن يتلو عليه بعض التعاويذ كما تقول الأسطورة. وفي الصباح فتحه ووضعه فوق أنفه ليستنشقه، وطلب تعليق حزم من البصل فوق سرير الطفل وعلى أبواب الغرف…