كانت هناك كتب قليلة في ذلك الوقت تجعلك تقرأها غلافا غلافا في جلسة واحدة، دون أن يزحف عليك ملل أو كسل أو مماطلة طوال وقت القراءة، ورغم أن الكتاب الذي أقصده تعرض لشخصيات فنية أو أدبية أو فكرية من زوايا الموت أو المعاناة، أنا… كقارئ، لم يفوتني لحظة واحدة الخيط الشيق -دون أي مبالغة أو تملق- الذي تناوله الكاتب الصحفي الموهوب خيري حسن في كتابه توسعت “لا شيء”. هنا”، والذي صدر مؤخراً عن دار غراب للنشر. للنشر والتوزيع.
وهو كتاب يأتي ضمن سلسلة كتب يصدرها المؤلف تتناول رحلة شخصيات كان لها أثر ملموس في حياتنا الفكرية أو الفنية أو السياسية، مثل تأليف كتاب “أبي الذي لم يعرف أحدا، “بذل فيها مجهودًا كبيرًا وملحوظًا في إزالة الكثير من الغبار المحيط بشخصيات عشنا معها كثيرًا، مثل الفنانين عماد حمدي، وتوفيق الدقن، ومحمد القصبي، وحسين رياض، وغيرهم.
التقى خيري بأطفالهما حتى يتمكنوا من التحدث عن الآباء، وكشف عن ذخيرة بشرية غير معروفة تقريبًا. لذا، عرض خيري في ذلك الكتاب حياة كل هؤلاء الفنانين بمختلف أشكال بدايتهم، من خلال تطورات الأحداث. حياتهم الفنية والإنسانية المختلفة، ليحصل على جوانب مهمة لم تكن معروفة لنا من قبل، وكذلك في كتابه “نحن هنا” الذي سار فيه على خطى كتاب كبار مثل أحمد. بهاء الدين في كتابه “أيام لها تاريخ”. وصلاح عيسى في كل مؤلفاته الكثيرة، كما أهدى للشاعر الراحل زكي عمر كتابا كاملا وهو “يا صاحب المداد.. سيرة شاعر ورحلة وطن”. إعادة قضايا في حياة الشاعر كانت منسية منذ عقود طويلة، وكاد الشاعر نفسه أن يضيع بسبب ذلك النسيان.
ومن ثم يمكننا القول بكل بساطة أن المؤلف خيري حسن يعمل على إطلاق وإحياء الذاكرة في كل ما تم إغفاله أو نسيانه أو تجاهله أو إقصائه، ليعيد النبض لتلك النفوس التي كاد الزمن يختفي بقسوة، ولذلك كتاباته خيري حسن ليست كتابات تدخل أبواب الترف أو عرض المعلومات، بقدر ما هي كتابات ضرورة حتمية وضمير يقظ، بعيدة عن المتحف والمتحف. كتابات جامدة تعتبر التاريخ الفني أو تاريخ الفن. الثقافية ما هي إلا مواقف نادرة أو قصص مسلية أو قصص مضحكة وغريبة.
- 2 مليون دولار مبيعات أعمال فنية بمعرض فريز لوس أنجلوس
- لو بتحب الأدب البوليسى.. تعرف على أشهر كتابه بين نبيل فاروق وصالح مرسى
لا يوجد كتاب هنا
- وزارة الثقافة تطلق عروض المسرح المتنقل بالشيخ زايد ضمن احتفالات أكتوبر
- لو بتحب الأدب البوليسى.. تعرف على أشهر كتابه بين نبيل فاروق وصالح مرسى
في كتاب أعني “لا شيء”، يعرض خيري حسن ثلاثة عشر كاتبًا ومفكرًا وفنانًا ومؤلفًا من زوايا إنسانية بحتة، عندما خطفهم الموت بالخيانة أو الغدر أو الغدر أو القتل، ومن بينهم شخصيات تكاد تكون مجهولة تمامًا. لكثير من القراء مثل د. خليل أبو زيد الذي وضعه في الفصل الأول، وكذلك إسماعيل صديق المفتيش وزير المالية في عهد الخديوي إسماعيل، أو الصحفي مصطفى القشاشي. والذين اتهمهم صلاح سالم – عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو – بقبول الرشاوى. أما باقي الشخصيات فهي شخصيات معروفة في حياتنا مثل الشعراء صلاح عبد الصبور وأمل دنقل. والكاتبان محمود عوض وزهير الشايب والمفكر صبحي وحيدة والفنانين نيازي مصطفى وعزيز عثمان وداد حمدي. كل هذه وغيرها التي كان على المؤلف خيري حسن أن يتعامل معها لم يتبع الأسلوب العادي التقليدي المعصوم الذي يكتب به، وكثير من مؤلفي ومؤرخي هذه السير هم إيثاريون، أي أنه لم يرضي نفسه بالبحث في الكتب والمجلات والإنترنت، لكنه كان يذهب إلى مكان الحدث ويلتقي بشخصيات قريبة من الحدث، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فهو نفسه عاش الحدث كما روي وفي نفس الوقت بطريقة مؤلمة وممتعة. وقال الطريقة عن ذلك. الكاتب الكبير محمود عوض.
- ليس بعيدًا عن رأس الرجل.. رواية جديدة لسمير درويش في معرض الكتاب
- عرض لوحة لرسام الاضطرابات كريستوفر وول للبيع بـ2.8 مليون جنيه إسترلينى
- فى ذكرى حصوله على نوبل.. أول جائزة حصدها نجيب محفوظ وحكاية العشرين جنيها
وكانت تربطه به علاقة إنسانية وصحفية وطيدة، مما يعني أن خيري حسن كان “شاهد عيان” عندما اتصل به الكاتب محمود عوض يوم الخميس 27 أغسطس 2009 في الرابعة عصرا. وعندما بادر خيري للرد في أسرع وقت، وظهر اسم محمود عوض، قال له عوض بلهفة: فين أنت، رد خيري: “أنا في البيت، أستاذ خيري لاحظ أن صوت الأستاذ تعبان ومرهق، وقال:” له ذلك، وبالفعل؟ فرد عليه عوض: “ذكرتني بالأستاذ محمد عبد الوهاب، كان يعرف حالتي من صوتي”، وأكمل حديثه: “أنا مش تعبان بس تعبان”.
كان ذلك اليوم هو السادس من رمضان، وعندما طلب منه خيري الذهاب إلى أقرب مستشفى، أجاب عوض: “لا تقلق، لقد اقترب موعد أذان المغرب، ولن يكون لدينا أحد في المستشفيات يقوم بذلك”. ولم يحصل هناك صوت أعلى من صوت إعداد مأدبة الإفطار بشكل عام وقال له: “أقول لك، إلا أن الساعة الواحدة بعد الظهر أفضل”.
- وزارة الثقافة تطلق عروض المسرح المتنقل بالشيخ زايد ضمن احتفالات أكتوبر
- عرض منحوتة للفنان جيف كونز للبيع فى مزاد بـ13 مليون دولار.. شاهدها
خيري حسن
أثناء سرد الأحداث التي حلت بمحمود عوض وقت رحيله، لا ينسى خيري حسن تقديم أكبر قدر ممكن من المعلومات الأساسية عن مسار الشخصية التي يتعامل معها، ومن بين السمات والخصائص المهمة لشخصياته في كل ما كتبه خيري في هذا الكتاب هو أنه يسجل السيرة وتاريخ الأحداث باليوم والساعة، وأحيانا بالدقيقة، ورغم أنه لم يطمئن إلى صوت محمود عوض الضعيف والمنهك، إلا أنه صمد حتى يوم السبت 29 أغسطس الساعة الواحدة ظهرا. وبعد الظهر، حسب الوقت المتفق عليه والمحدد بينهما، وأمام المنزل اعترضه العتال الذي يعرفه جيدًا، لكنه -أي خيري- أوضح له أن الأستاذ مريض، فقال له: كان غير مرتاح بشأن حالته الصحية، فذهب الاثنان – خيري والبواب معًا – إلى شقة الأستاذ، ووجدا أنه لمدة يومين متتاليين لم يتلق الصحف أمام الشقة.
من هنا بدأت دراما الرحيل تعمل بقوة، واستمرت وتيرة الأحداث المتسارعة بإيقاعات حزينة، وبعد سلسلة من الضربات الكثيرة لم يستجب الأستاذ، ولم يكن أمام خيري والبواب خيار آخر سوى التوجه إلى شقيق الأستاذ ، الذي حضر سريعًا، ثم تم الاتصال بالشرطة التي حضرت على الفور، واتخذت الإجراءات لكسر الباب، واكتشف الجميع أن الأستاذ مات وحيدًا، إذ لم يكن متزوجًا، وبالتالي ليس لديه أطفال، ويصف خيري المشهد، حيث وجدوا الأستاذ ميتًا متكئًا على وجهه، وكأنه في وضع السجود تتوقف رحلة أحد أروع وأخلص الكتاب والصحفيين في مصر، وله بصمة خاصة في العمل الصحفي. والكتابة الفكرية كما كتب عنه خيري حسن وأوضح أهميته كصحفي. منذ التحاقه بجريدة الأخبار عام 1964، وواصل تقديم المادة الصحفية والفكرية في الجريدة حتى أصبح نائباً للرئيس عام 1972.
وفي تلك السنة صدر كتابه الأول «أفكار ضد الرصاص» عن دار المعارك. والجدل السياسي في العقود الأولى من القرن العشرين، وهذه الكتب هي: تحرير المرأة لقاسم، “طبائع الاستبداد” لعبد الرحمن الكواكبي، “الإسلام وأصول الحكم” للشيخ علي عبد. الرزاق، والكتاب الرابع «الشعر الجاهلي» للدكتور. لم يكن كتاب طه حسين مجرد إعادة رواية لما قيل. من قبل، لكنه قدم مادة جديدة في الكتاب تتعلق بالحقائق السياسية التي أثارتها تلك الكتب الفكرية، ولم يقتصر على رصد الحقائق المحيطة بالمعارك التي دارت حول الكتب فقط لا، بل بدأ عوضا عن ذلك بالبحث والتحليل. فتنقّب في المجلات والصحف، حتى عثر على مواد لم تكن ضمن المتابعات التي قامت بإصدار الكتب ومصادرتها.
ندوة ورشة الزيتون
- تفسير القرآن.. ما قاله القرطبى فى "إن الإنسان لربه لكنود"
- عرض منحوتة للفنان جيف كونز للبيع فى مزاد بـ13 مليون دولار.. شاهدها
وكان ذلك الكتاب دليلاً قوياً على تفرد محمود عوض ككاتب أدبي وباحث مهم. وفي نفس الوقت أدخلته الحروب الصغيرة والكبيرة في كواليس وأحداث الصحافة المصرية. “وجع الدماغ” الذي يريد أي كاتب أو صحفي تجنبه. ليخلق طريقاً آمناً في غابة التعقيدات المحيطة بالعمل الصحفي، ومن ثم اقتصر على الكتابة في الصحف المصرية والحكومية بشكل خاص، فانضم رئيساً لجريدة الأحرار الحزبية، دون أن يكون عضواً فيها ليكون الحزب. وزاد توزيع الصحيفة إلى أرقام غير مسبوقة، وعندما تركها بدأ بكتابة مقال أسبوعي في صحيفة الحياة اللندنية، وهو المقال الذي جذب الكثير من المتابعين. انتظرت وقرأت بعناية. يرصد هذا الكاتب الكبير خيري حسن مسيرته. وفي الوقت نفسه، يرصد وقائع وفاته المأساوية كشاهد عيان أساسي.
وكما كان خيري حسن شاهد عيان في قضية محمود عوض، فقد كان حاضرا بطرق أخرى في حياة ورحيل شخصيات أخرى، كما فعل مع الفنانة وداد حمدي، فتوجه إلى المبنى الذي وقعت فيه الجريمة وصعدت إلى شقتها، إذ كان لها شقتان، الأولى لإخوتها وأخواتها وأمها، والثانية لها، وكما كتب خيري، فقد استمعت إلى نصيحة فاتن حمامة عندما قالت لها: “إنها ضروري “أنت يا وداد اشتري لنفسك شقة وشقة أخرى لعائلتك، حتى لا ينفع لك ولزوجك وأخواتك البقاء في مكان واحد، وبناء على تلك النصيحة التي كانت نصيحة جيدة” من صديقتها فاتن حمامة، عاشت وداد في استقرار وسلام، حتى حدث ما حدث، وكان لخيري حوار مع حمال المبنى وهو ابن العتال القديم، وكانت له الكلمات الطيبة الكرم واللطف واللطف. تسامح الفنانة الماهرة وداد. حمدي التي لم تفعل في حياتها أدنى شر يفعله كثير من الناس، لكنها كانت تفعل الخير دائمًا كما قال عنها الكثير من زملائها الذين نعوها بكلمات مليئة بالحزن والمأساة، ويستقبل مرتكب الجريمة لا شيء سوى عقوبة الإعدام.
وإذا تعامل المؤلف خيري حسن مع فنانين مثل وداد حمدي ونيازي مصطفى ومخلص البحيري، وكتاب مثل محمود عوض وزهير الشايب، فإنه تناول سيرة شاعرين كبيرين هما الشاعر صلاح عبد الصبور، و الشاعر أمل دنقل، وفي الحالتين كانت مناهجه ورؤاه مختلفة تماما عن كثير مما سبق. شاعر. العظيمة، وكلماتها القليلة ألهمته أن يبحث في كل شيء…