وقد سجل الرحالة الشهير ابن بطوطة ما أنفقه وما رآه في مكة في الأيام الوترية من شهر رمضان المبارك، والذي نكاد نغادره عندما نصل إلى الليلة السابعة والعشرين.
يقول ابن بطوطة في كتابه رحلة ابن بطوطة: “في ليلة غريبة من ليالي العشر الأواخر من رمضان يختمون القرآن، ويحضر الختم القاضي والفقهاء والشيوخ، ومن يختمه. هو من أبناء أعيان مكة، فإذا ختم، أقيم له منبر مزين بالحرير، وأوقدت الشموع، ويلقي خطاباً في بيته ويطعمهم الكثير من الطعام والحلويات، وهذا ما يفعلون في كل ليالي الوتر. “ومن تلك الليالي عندهم ليلة سبع وعشرين، واحتفالهم بها أعظم من احتفالهم بسائر الليالي، ويختم بها القرآن العظيم خلف المقام الشريف.”
ويقام خشب العظم قبل الحطام الشافعي، ويلتصق بالحطام، وتوضع بينهما ألواح طويلة، تصنع منها ثلاث طبقات، وعليها شمع ومصباح زجاجي، حتى تكاد العيون تعمى من شعاع الأضواء، ويتقدم الإمام فيؤدي صلاة الآخرة، ثم تبدأ قراءة سورة القدر. ولذلك تنتهي قراءة الأئمة في الليلة السابقة، وفي تلك الساعة يمتنع جميع الأئمة عن صلاة التراويح احتراماً لنهاية المقام.
أما عادات المكيين وقت السحور فهي كما يلي: “”إذا جاء وقت السحور يدعو المؤذن المؤذن للسحور في الصومعة في الركن الشرقي للحرم، فيقوم وينادي” ويذكر ويحث على السحور، وهذا ما يفعلونه في سائر الصوامع. فإذا تكلم أحدهم أجاب صاحبه، وقامت فوق كل منهما معلقة فيها مصباحان زجاجيان كبيران. ومع اقتراب الفجر، جاء النداء لإطلاق النار. مراراً وتكراراً أُنزل المصباحان، وبدأ المؤذنون يؤذنون، فيستجيب بعضهم لبعض. وأرض مكة التي كرمها الله لها أسقف لا يسمع النداء، فيرى السرجين المذكورين، فيتسحر، حتى ينقطع إن لم يرهما».