واليوم نواصل الوقوف مع كلام الإمام القرطبي في تفسيره المعروف بـ “الذي يجمع أحكام القرآن ويبين ما فيه من السنة والفرقان”، ونقرأ ما قاله في تفسير سورة الماعون في الآية 5 (الذين هم عن صلاتهم ساهون).
- أفضل 100 كتاب فى القرن الحادى والعشرين.. رواية المحو - اليوم السابع
- زيارة لمكتبة أنور السادات.. جولة بين كتبه فى ذكرى وفاته "صور"
وروى الذين يتهاونون في صلاتهم عن ابن عباس قال: هو الذي يصلي الذي إذا صلى لم يرجو له ثوابا، وإذا تركها فعلها. فلا تخافوا من العقاب على ذلك.
وعنه أيضاً: الذين يؤجلونه عن أوقاته.
وروى المغيرة أيضاً عن إبراهيم قال: كان يضيع في تضييع الوقت.
وعن أبي العالية: لا يصلونها لوقتها، ولا يتمون ركوعها ولا سجودها.
قلت: ويدل على ذلك قوله تعالى: ثم جاء خلفهم الذين فاتتهم الصلاة، على ما سبق بيانه في سورة (مريم) عليها السلام.
وروي عن إبراهيم أيضاً أنه كان إذا سقط قام ورأسه في ذلك الاتجاه.
قال قطرب: ليس قراءة الله ولا ذكره.
وفي قراءة عبد الله (إن الذين تهاونوا في صلاتهم هم في غفلة).
وقال سعد بن أبي وقاص: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ويل للمصلين الذين هم في صلاتهم ساهون.
وعن ابن عباس أيضاً: هم المنافقون سراً، يصلون جهاراً، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا على الآية كسالى.
ومما يدل على أنه من المنافقين قوله: المتراءون، وقال ابن وهب عن مالك.
وقال ابن عباس: لو قال في صلاتهم تهاون، لكان من المؤمنين.
قال الزمخشري: فإن قلت: ما الفرق بين قوله: في صلاتهم، وقولك: في صلاتهم؟ قلت: ومعنى هذا أنهم أهملوه وأهملوه وتركوا الاهتمام به، وهذا عمل المنافقين أو المسلمين الفساق والفاسقين.
ومعنى ذلك أنهم مصابون بالنسيان، من وسوسة الشيطان، أو كلام الروح، ولا يحتمل أن يخلو منه أحد من المسلمين.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما ينسى في صلاته فضلا عن غيرها. ولهذا جعل الفقهاء باب استنفاد النسيان في كتبهم.
قال ابن العربي: لأن السلامة من النسيان محال، وقد أخطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة في صلاته، ومن لم ينسى في صلاته لم ينس فهو مؤمن. رجل لا يفكر فيها، ولا معنى لقراءتها، ولكن همه الوحيد هو إعدادها. وهو الرجل الذي يأكل الجلود ويرمي لبها.
وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينسى في صلاته إلا وهو يفكر في شيء أعظم من ذلك. اللهم إلا أن من يقبل وسوسة الشيطان في صلاته قد ينسى إذا قال له: اذكر فلانا، اذكر فلانا؛ ولأنه لم يذكر ذلك، فإن مثل هذا الرجل سوف يخدع في مقدار صلاته.