لم يمر شهر رمضان المبارك دون أن يكون لكل كاتب وكاتب رأي آراء وكتابات كتبها خلال الشهر الفضيل، تعبيرا عن الطقوس التي تمارس خلاله أو لوصف حالات الفرح والخير، وخلال السطور التالية نستعرض سأقدم ما كتبه المؤلف والطبيب يوسف إدريس.
وفي عام 1956 صدرت مجموعته القصصية الثانية “جمهورية فرحات” وفي أحد فصول قصة بعنوان “رمضان” يروي لنا قصة طفل اسمه فتحي.
- اليونسكو تختار الرباط عاصمة للكتاب عام 2026.. اعرف أشهر العواصم السابقة
- الثقافة تناقش استعدادات المهرجان القومي للتحطيب واحتفال الأقصر بعيدها القومي
- العثور على الناجين من ثوران بركان بومبى قبل 2000 عام
وقال يوسف إدريس: “فتحي، طفل في العاشرة من عمره، يحلم بخوض تجربته الأولى مع الصيام لأسباب لا علاقة لها بالدين. طموحه أن يتم اعتماده كعضو كامل العضوية في قائمة الصائمين الكبار، وأن يستمتع بلذة تناول وجبة السحور مع أبيه وأمه، لذلك كان متمردًا جدًا على كبار السن وعلى والده بشكل خاص. منذ ثلاث سنوات، كما يتذكر، طلب من والده صيام رمضان، فقال له والده: “لا يصح حتى تبلغ الثامنة”، ولزم الصمت. فتح صبره وانتظر على مضض سنة طويلة، وعندما دخل شهر رمضان من العام التالي وبدأ يرى “الفطرة” و”العربة” و”عين الجمل” تملأ الأكياس أمام المحلات التجارية، لم انتظر حتى لا تتفاجأ بالواقع، بل قبل ذلك بوقت طويل، استوعب لحظة انسجام من لحظات والده، علماً أن لحظات الانسجام تلك تأتي في بداية الشهر الذي قاله العام الماضي، وأضافها بـ ليقول إنه قرر أخيرًا… صام، وادعى والده في البداية النسيان التام، ولما بدأ يذكره ويشتد عليه الضغط، قال له: “لا صيام لمن لا يصلي” “.
- مسلسل الحشاشين الحلقة 10 .. من هو أرسلان تاش
- وزير الثقافة ينعي الفنان حلمي التوني: "رحل أحد حراس الهوية المصرية"
- رامبرانت فى ذكرى ميلاده.. لوحاته تباع بملايين الدولارات
وكانت إجابة فتحي حاسمة وواضحة أنه سيصلي بالتأكيد، وظن أن ذلك لن يكلفه أكثر من الوضوء والصلاة، ثم سيتمكن بعد ذلك من الصيام. وكان متفائلاً جداً بهذا الأمر، إذ لم تتح له الفرصة قط ليصلي كما يريد، فتوضأ كما تعلم في المدرسة، و”سجادة” والده ليصلي عليها، ثم سبقه والده وطوى. وعندما سأله فتحي عن السبب أجاب بذلك. فشك في غسله وتطهيره، وخاف على سلامته. وكانت السجادة ملوثة بالنجاسة، فترك السجادة وجعل لنفسه مكاناً للصلاة من ثوبه القديم النظيف. لم يعرف والده طهارة الثوب قط، ولذلك لم يتعرف على والده الذي يصلي ليعترف، ولذلك سيذهب للصلاة في المسجد.
عندما ينال الطفل الحالم استحسان أبيه الذي يعلنه على مضض وغير متحمس، يسارع إلى نشر الخبر ويتباهى ويتفاخر، لكن ممارسة تجربة الصيام تخلو من الشرارة الخارقة المأمولة التي تسكنه وتسيطر عليه، ومن ثم تبدأ المعاناة المرهقة مع ولادة أول يوم في شهر الصيام الصيفي الحار. شعور حاد بالعطش ينشأ من النوم، ويبدو الماء بمثابة اكتشاف لم يعرفه فتحي من قبل، ولا مفر من أزمة العطش الخانقة. إلا بالفطر سراً وشرب الماء حتى يروى، وهو يدعي الصيام جهراً، ليؤكد رجولته التي تشك أمه فيها، فلا شيء يمنعه من اتخاذ مثل هذه الخطوة الخطيرة إلا حدود الشرع. الضمير الديني الذي نشأ عليه، والخوف الكامن من العقاب المروع الذي سينزل به على أفعاله “رمضان يُعرف لأنه يرى الناس وهم يرونه” لا، وهو يعلم هل يفطرون أم لا. “لقد رسم رمضان. في نظر فتحي، الأمر كبير بقدر حجم العالم كله”.