ولم تكشف الحضارة المصرية القديمة بعد عن كل أسرارها. وكل يوم هناك دراسات وأبحاث تكشف جوانب من تلك الحضارة العظيمة، ومنها ما يتعلق بالدفن، ولم تقتصر على الإنسان فحسب، بل كان للحيوانات دور أيضاً. ومنها دفن الحمير وما السبب في ذلك؟
- أشهر الأحجار التاريخية في العالم القديم
- ندوة لمناقشة "يافطة دكتور" لـ سامح فوزي بمكتبة القاهرة الكبرى
يقول كتاب “عبادة الحيوان بين الدفن والرمزية في مصر والشام والعراق: في عصور ما قبل التاريخ” لزينب عبد التواب رياض:
جنازات الحمير
عرفت الحمير في مصر منذ القدم، وهي من النوع المعروف باسم إيكوس أسينوس، وقد تم العثور على عظام هذا النوع من الحمير في الطبقات الموسترية في الصحراء الغربية.
تم تدجين الحمار منذ القدم، وكان يستخدم كحيوان حمل – ولم يتم الاعتماد عليه كمصدر للغذاء – ومما يدل على وجوده وتدجينه في مصر العدد الكبير من بقايا العظام التي تم العثور عليها في عدة مواقع. يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الأسرات، خاصة تلك التي اقتربت من أرمنت، ويؤرخ بها نقادة الأول والثاني.
وكان الحمار يعتبر أول حيوان نقل في مصر القديمة، وظل كذلك حتى شاركه الجمل هذا الدور. مكانته في الحضارة المصرية القديمة، سواء في الحياة اليومية، أو في… ويرتبط ذلك بمعتقدات العالم الآخر، وهذا ما تؤكده مدافنه التي وجدت في العديد من المقابر، خاصة طرخان وحلوان. وأبو سير .
ومن الجدير بالذكر أن مدافن الحمير تختلف عن مدافن الحيوانات الأخرى، حيث أنها غالبا ما تتبع شروط الدفن الثلاثي – أي دفن ثلاثة حمير معا في قبر واحد – ولا تختلف عن مدافن الحمير في هيراكونبوليس ووادي دجلة إلا هذا. ودفن الحمير العشرة في أبيدوس.
وفيما يتعلق بمدافن الحمير التي تم العثور عليها والتي ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، فرقم الدفن. تمت دراسة 2 في هيراكونبوليس، حيث تم العثور على بقايا هياكل عظمية لحمارين. وكشفت دراستهم أن هذه الحمير كاملة النمو. وهي مقاربة في الحجم للحمير الداجنة للمعادي وحمير أبو صير، وترجع إلى عصر الأسرات والدفنة رقم 11. 6ـ كذلك في مقبرة هيراكونبوليس، حيث عثر فيها على بقايا هيكل عظمي لحمار. الذي دُفن به كلب -أي أنه دفن مزدوج لكلب وحمار- مما يؤكد وجود الحمار ومعرفته في تلك الفترة، ليس دنيويًا فحسب، بل عقائديًا أيضًا.
- ندوة لمناقشة "يافطة دكتور" لـ سامح فوزي بمكتبة القاهرة الكبرى
- اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا يدين محاولة اغتيال الكاتب العراقي فخري كريم
وربما كان لذلك الدفن غرض سحري محدد، يتعلق بطقوس الصيد، خاصة وأن الكلب كان من أهم الحيوانات المستخدمة في الصيد، وكان الحمار وسيلة مهمة للانتقال من مكان إلى آخر للتنقل، حتى أنهم يكمل كل منهما الآخر. .
تم العثور على دفن حيواني لثلاثة حمير في مقبرة أبو صير. تم دفنهم بالقرب من المصطبة الملكية رقم . 4، على طول الجانب الجنوبي، في مدفن فرعي يرجع إلى عصر الأسرة الأولى. كانت حالة الدفن رائعة. تم دفن الحمير الثلاثة واحدًا تلو الآخر على التوالي، في وضع الوقوف، كما لو كانت مستعدة للتحرك، ولم تستلق كما هو مفترض في أي من مدافن الحيوانات الأخرى.
- اتحاد كتاب أفريقيا وآسيا يدين محاولة اغتيال الكاتب العراقي فخري كريم
- زيارة إلى مكتبة إدوار الخراط.. جولة بين أكثر من 1300 كتاب
وفيما يتعلق بأعمار هذه الحمير الثلاثة ذكر كل من دريش وبوزنيك أن أعمار الحمير الثلاثة تختلف وتختلف من واحد إلى آخر، ورغم اختلاف مراحل حياتها وصغر عمر متوسطاتها إلا أن هياكلها العظمية متطورة للغاية وقوية وضخمة. في البنية، تشبه في الشكل أجسادهم، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن هذا الدفن كان لثلاثة حمير برية كبيرة غير مستأنسة، وأنها لم تكن كذلك. ولم يكن ذلك دفنا متعمدا، بل كان فخا وقعت فيه هذه الحمير البرية، على حد وصفهم. إلا أن دراسة هذه الهياكل ودراسة حالة الدفن تثبت أن الهياكل العظمية كانت لحمير أهلية وأنها دُفنت عمدا.
الغرض من دفن الحمير
واختلفت الآراء حول تفسير الغرض من دفن الحمير، فهناك تفسير ديني وتفسير علماني.
- ندوة لمناقشة "يافطة دكتور" لـ سامح فوزي بمكتبة القاهرة الكبرى
- "عالم الكتاب" تحتفي بنجيب محفوظ في عدد تذكاري
- مسلسل مليحة الحلقة 2.. ما حكاية حى الشيخ جراح؟
أولاً: التفسير الديني
(1) وبناء على ما ورد عن شروط الدفن، واتجاه رؤوس الحمير نحو الشرق، أو الشمال الشرقي، فقد حاول البعض ربطها بالنظام الشمسي، وجعلها حيوانات مقدسة تمثل الشمس الرمزية، خاصة وأن دفن الحمير الثلاثة في مقبرة أبو صير جاء جنوب المصطبة. وتشبه الملكية عربات الشمس الموجودة جنوب الأهرامات في عصر الدولة القديمة، وتعتبر الحمير من الحيوانات المرتبطة بالشمس. – كما جاء في الفصل الأربعين من كتاب الموتى – وبالتالي يمكن الافتراض أن الحمير أيضاً كان لها دور يتعلق ببعث الموتى ونقلهم إلى العالم الآخر، حيث أنها من حيوانات النقل في هذا العالم وقاموا بوظيفة مشابهة لوظيفة قوارب الشمس ونقلوا المتوفى إلى العالم الآخر.
(2) وهو مخالف لما دل عليه المذهب الأوزيري في العصور التاريخية من أن أبا صير يعتبر مقرا له؛ ويوضح أن الحمير كانت من الحيوانات الشريرة المرتبطة بالإله ست منذ عصر الدولة الوسطى. وفي نصوص الأهرام ورد ذكر الحمار كحيوان غير ودود… ولذلك يمكن تصور قتل الحمير الثلاثة عمداً، وكأنه يصل إلى حد القتل وطرد الأرواح الشريرة والابتعاد عن المقبرة، وذلك واختيار الرقم “ثلاثة” دون غيره يدل على الوفرة العددية عند المصري القديم. ويمكن قبول كلا الرأيين إذا اعتبرنا أن الحمار هو أحد الحيوانات التي كان لها دور مزدوج في الفكر المصري القديم (جانب الخير والشر).
- أشهر الأحجار التاريخية في العالم القديم
- فى ذكرى حصوله على نوبل.. أول جائزة حصدها نجيب محفوظ وحكاية العشرين جنيها
- الدكتورة منى زكى تناقش روايتها المترجمة مملكة القلب فى باريس
الثاني: التأويل الدنيوي
وكانت الحمير حيوانات خدمة يومية، وربما أراد الإنسان أن ترافقه في عالمه الآخر كما رافقته في الدنيا، فيدفنها معه، أو بجوار قبره، حتى يستفيد من خدمتها له. له في الآخرة كوسيلة نقل أيضا في الآخرة. هذا بالإضافة إلى أنها من الحيوانات التي تدل على ارتفاع المستوى الاجتماعي والغنى لصاحبها، وبالتالي فإن دفنها مع صاحبها ما هو إلا تمجيد لقبره، ودليل على ارتفاع مستواه الاجتماعي، مع أن وهذه الفكرة شائعة في بلاد الشام والعراق أكثر منها في مصر. وقد تكون هذه المدافن نوعاً من أنواع التضحية الحيوانية الخاصة لصالح صاحب المقبرة.