وكان الصبر الدرس الأول للمدرستين. رغم أنه كان في البداية خوفًا من الاعتراض، إلا أنه أصبح طبيعة متأصلة، دون خوف، تمر الأيام، فأسأل عن نهايتها، ولا أتعجل في شيء مهما كان ضروريًا، فالأفضل أن ندع الأمور اذهبوا كما يريدون وسيشاءون، لأنه قد حدث بالفعل… فإذا استعجلته، فلن ينالني إلا القلق والتوتر، وسأتحمل وزر الساعات القادمة التي ستفعل ذلك. لا يمر، وأشعر بكل دقيقة تمر كأنها جبل أحمله على ظهري، ولا أستطيع تحمله، فكم أنا؟ نحيف وضعيف للغاية، أتناول ما يكفي من الطعام، ويرسم وجهي بأصابعه، ويعبث بجسدي وروحي، ولا حيلة لي فيما يفعله بي، سأخرج كل يوم أعرف أين أنا كان ذاهباً، حتى يخبرني أبي أو أخي، ويذهب بي إلى مكان أكون فيه مرعوباً، وخلفهما دودتان، مخافة أن تضل إحداهما. عصا تجعلهم يرتدون على ظهورهم.
يذهب أخي بحثًا عن عشب جديد، في مكان ما يظل يمشي، ويستريح لبعض الوقت على الطريق، ويشرب الشاي مع شخص ما، ويتحدث مع آخر، وهو في طريقه للعثور على شيء جديد، فهو يعرف إلى أين نحن ذاهبون مع الأغنام بعد هذا سوف يذهب وسيستمر الغياب لساعات. أيام قليلة، وبعض الأيام يمكن أن يمتد إلى يوم كامل، وهنا أقف بعض الأيام دافئًا، يعود إلي ليأخذ قيلولة، ويأخذني إلى مكان مظلل، ويشعل النار ويشرب كوبًا من الشاي. يتحدث معي في أشياء لا أعرف عنها ولكنني أستمع جيدًا لما يقوله ولا أرد لأنني لا أعرف ماذا أقول؟ يرحل ويتركني إلى أي مجال يجد من يجلس معه ويتحدثان، عن أحوال العالم، وأخبار السياسة، وما يجري في شؤون الناس، وما يجب أن يحدث وما لا ينبغي، يتحدث كثيراً ، محاولًا أن يكون أبي، يكرر كلامه، ويستعير حركات يديه ويقطع وجهه، عندما يدخل في مواضيع يحب والدي الحديث عنها، فمن يشبه والده لم يخطئ. أو هكذا يفعل، ليكون رجلاً مثل أبي، وربما يفعل ذلك ويظهر كرجل فيتزوجه والدي، وهو في الثامنة عشرة من عمره، وله أصدقاء متزوجون، و يمكن أصغر منه بسنة، وتزوج واعتدنا أن أتلقى الأوامر منه، أو من والدي، وأنفذ ما يعلمونني، وعندما لا يأتي من يفحصه، يلف رأسه مع الوشاح ما يلبسه فإنه يغط في نوم عميق طوال هذه الأوقات، أو إذا كان مشغولاً بشؤونه الخاصة وتركني لم أتمكن من النوم، وإذا هاجمني خوفاً من أن يفعل أحد شيئاً يسرق، هل سأبقى أحيانًا أتجول وألتقط بعض لحظات النعاس، مما يجعلني أستيقظ وأغسل وجهي بالماء، ثم أخرج عروستي ونلعب معًا بجانب القطيع. ربما سينضم إلينا طفل. ونداعبها ونضحك معًا، حتى تتجدد طاقتنا جميعًا، ونتغلب على ساعات الكسل والخمول.
كنت أكثر إخوتي طاعة وصبرًا، ولم أشتكي أبدًا، فإذا تركني والدي وأمرني بعدم التحرك من مكاني، كان يأتيني بعد ساعات، وكنت بنفس الشكل الذي تركني فيه . كان صمتي طاغياً، وأوحت لهم بأنني عاقل فيما أفعل، وأنه اعتمد عليّ وقدم الأعذار، بل وكانوا يسرقون الوقت للعب، أو يعلنون كراهيتهم. من ضيق هذا العمل، لذلك سأتحمل عليهم الكثير وأحاول العمل. ما يكرهونه ولا يتحملونه، ورغم ضيقي معه أيضًا إلا أنني أتأقلم معه بسرعة، وأحاول أن أحبه، لأخفف عبء ضيقه عن نفسي، لذلك كنت أخرج دائمًا مع والدي في منزلهم المكان، فأختي الكبرى على وشك الزواج كما يقولون، لذلك يجب ألا تخرج من المنزل إلا للطوارئ، والاثنتين الأخرتين تشتكيان من العمل والقهر، وهو ما يشعر به كلاهما، ولم أهتم. بقدر ما فعلوا اعتقدت أنني لم أفعل لم يعلم أحد أنني كنت أكثرهم جبنًا وخوفًا، لذلك لم أستطع تمالك نفسي. قل لا، خشيت أن أضرب، ولو ارتفع صوت أبي لشتتت نفسي وتمزقت، ولا أفعل، لئلا تصلني يد أبي، أو لا يرميني شيء. لم أتحمل مثل إخوتي، إذا ضربهم والدي بعصاه فسوف تأكل أجسادهم وتترك علامات لأسابيع، ثم اهتموا به كما لو كانوا معتادين عليه لكنه لم يهتم بالنسبة له لا، كنت أشعر بالرعب فقط عندما أسمع صوت والدي يصرخ على والدتي، التي بدورها لم تتكلم، كان دورها الصمت، وعلى الرغم من ذلك. بصمتها دفعت ثمن أخطاء ابنتها بصوتها المختنق، ابتعدت لكن عينيها كشفتا ما قلبها المثقوب من الجميع، علم أنني أحب أن أكون حاملاً بها لكني لا أستطيع، أحميها إلا أن أهانها. بسببي، أبتسم. وجهها ربما تقول عنها شيئا ثم أذهب إلى السرير وأتركها وحزنها …..
- كتاب النبوءات لنوستراداموس.. هل اقتناه نابليون وعرفه المشاهير؟
- كتب تركت أثرًا.. روايات ومؤلفات مؤثرة صدرت في عام 2024
- اعتقد أنها مزيفة.. إسبانى يبيع لوحة بـ 926 يورو وثمنها الحقيقى 12 مليون يورو