إن وجود شاعر حقيقي حدث يستحق الاهتمام والاحتفاء، فالشعر هو الفن العربي الأول وقدرته المؤثرة لا ينكرها أحد، وفي الشعر نفسه قل الأصالة وكثر التزييف لذلك عندما نقرأ قصيدة مجموعة قصائد حقيقية، نسعى جاهدين للتعرف على مؤلفها وعلى أساس طريقة تفكيره ومفهومه للفن، ولذلك بعد أن قرأت ديوان “أناشيد السادس” “ليلة” للشاعر عمرو البطا، صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، حاورته. حوار كان هدفه التعرف على عمرو وأفكاره وموقفه من الجمال والخيال والفن والحقيقة… فإليك نص الحوار:
- فى ذكرى ميلادها.. تعرف على أشهر أعمال دوريس ليسنج
- سر الحروف النورانية خلال أحداث الحلقة الأولى من مسلسل الحشاشين
- مسلسل الحشاشين الحلقة 8.. كل شيء عن قلعة ألموت
أصدرت مؤخراً مجموعة “أناشيد الليلة السادسة”… أخبريني عن هذه التجربة؟
هذا المجلد هو الثاني لي من حيث النشر، ولكنه الثالث من حيث الكتابة. هناك مجلد سابق انتهيت من كتابته منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكنه لم ينشر بعد بسبب كسلي لنشره أولا. ثم لأسباب أخرى تتعلق بهيئة النشر.
بدأت بكتابة “أناشيد الليلة الثالثة” عام 2021 وانتهيت منها في ديسمبر 2023. العنوان مأخوذ من العنوان الفرعي للنص الرئيسي في مجموعة “عودة الإنسان.. ترنيمة الليلة السادسة”، وهو نص مستوحى من نظرية ابن عربي التي تنص على أن الله لم يخلق آدم واحدا لم يخلقه أحد. بل آلافًا، وكلما فسدت البشرية، أرسل الله آدم الجديد لتبدأ قيامة البشرية الفاسدة به وببشرية جديدة. ولذلك فإن “الليلة السادسة”، وهي الليلة الأخيرة في عملية خلق آدم، هي الليلة الأكثر ظلمة وفسادا، لكنها في الوقت نفسه ليلة الأمل والإعلان عن عودة الإنسان الوشيكة. ومن هنا تبدأ “الأناشيد” التي تعكس الصورة القاتمة التي وصلت إليها البشرية في عصرنا الحالي، لكنها في الوقت نفسه تعلن زوال هذا العصر وعودة القيم الإنسانية التي يرمز إليها آدم.
- متاحف تفتح مجانا للمواطنين غدا بمناسبة نصر أكتوبر.. تعرف على التفاصيل
- سر الحروف النورانية خلال أحداث الحلقة الأولى من مسلسل الحشاشين
- مسرحية تاجر البندقية لشكسبير تدخل السجل الملكي.. ما حكايتها؟
عمرو البطة
هل تحدثنا عما قدمه لك الشعر وماذا أخذ منك؟
كان الشعر كريمًا معي؛ لقد أعطاني الكثير ولم يأخذ مني شيئاً. لقد ساعدني الشعر كثيراً على فهم نفسي أولاً، وفهم حقيقة العالم في جوهره، وتحديد أولوياتي في الحياة دون أن أهتدي بالأهداف المعلبة التي يضعها المجتمع لأفراده، أو الوقوع في “هم” هايدجر. . كلمات. علمني الشعر المثابرة والعمل على التفاصيل والتدقيق في كل حرف وإشارة نحوية. وبفضل هذا تعلمت الكثير عن اللغة، وأستمر في تعلم أشياء جديدة مع كل نص أكتبه لنفسي وأراجعه لغويًا ونحويًا و. دلاليا. أما عن الوقت والجهد الطويل الذي يأخذه مني الشعر سواء في عملية الكتابة أو التفكير أو القراءة اللازمة لبناء كل إبداع، فلا أعتبره خسارة، بل أجده استثمارا أفضل لوقتي وطاقتي بدلا من ذلك. من إهدارها في شيء آخر.
- أوروبا عرفت تعدد الزوجات.. السر فى إمبراطورية "الأفار"
- اليونسكو تتراجع عن إدراج ستونهنج بقائمة "التراث العالمي المعرض للخطر"
هل تشعر بالفخر لكونك شاعرا؟
لا أعتقد أن الفخر هو وصف مناسب لما أشعر به تجاه الشعر، خاصة أثناء العملية الإبداعية. فالفخر يصف علاقة الإنسان بالآخرين، أما الشعر في جوهره فهو علاقة بين الإنسان ونفسه. لا شك أن الشعر يمنحني السعادة عندما ألتقط كل صورة جديدة وكل تكوين مبتكر، كما يمنحني متعة الانتهاء من كل قصيدة جديدة، ولكن لا أعتقد أنه يمنحني الفخر في نهاية العملية الإبداعية ويمضي لا. في المجتمع، خاصة وأن الشاعر لم يعد يشغل المكانة التي كان يتمتع بها في عصور ما قبل الإسلام باعتباره لسان حال القبيلة ومكان فخرها، وسرعان ما تراجعت هذه المكانة مع توسع الدولة الإسلامية، مع بقاء رجال الحرب والسياسة. وتتراجع الطليعة والشعراء إلى مجرد أتباع في بلاط الأمراء الذين يتوسلون بالثناء على إحسانهم. والتملق حتى تراجعت مكانتهم الاجتماعية تماما. وحتى وقت قريب في صعيد مصر، كانت مهنة شعراء السيرة محظورة على أطفال الأسر الكبيرة باعتبارها وصمة عار اجتماعية. وفي مجتمعنا المعاصر لا يخفى على أحد تهميش دور المثقف وتعمد الاستهزاء به وإظهاره بطريقة كوميدية، إضافة إلى ضعف المستوى التعليمي والثقافي. ولذلك لم تعد الثقافة أو العلم أو الإبداع موضع فخر في عصر الابتذال المنتشر.
- متاحف تفتح مجانا للمواطنين غدا بمناسبة نصر أكتوبر.. تعرف على التفاصيل
- مسلسل الحشاشين الحلقة 8.. كل شيء عن قلعة ألموت
- إسعاد يونس من معرض أبو ظبي للكتاب: فترة كورونا كانت حلوة لحد ما الحبايب ماتوا
أغاني الليلة السادسة
ما هو الشعر وما وظيفته؟
هذا سؤال جوهري ليس له إجابة وجهة نظر وموقفي تجاه ما أكتب.
في اعتقادي، لا أحب تعريف الشعر -والفنون عمومًا- بمفهوم الجمال، بل بمفهوم الحقيقة، أو بإعادة تعريف الجمال باعتباره الإدراك المباشر للحقيقة، وكل فن لا يكشف. . الحقيقة وعدم محاولة إدراكها من زوايا مختلفة هو فن زائف. أنا لا أكره شيئًا بقدر ما أكره الخيال النقي الجامح والخيال الحر الذي يبعد الإنسان عن الواقع. الخيال هو إحدى أدوات الفن التي لا هدف لها، وكل صورة تخيلية فيها يجب أن تسعى إلى تعكير صفو الصورة السطحية. العالم وإيجاد ثغرات فيه لاختراق زوايا مختلفة من الحقيقة. بشيء من التفصيل يمكننا القول أن الطريقة التي يدرك بها العقل البشري العالم هي خلق نماذج عقلية تحاكي العالم من أجل فهم العالم من خلاله، سواء كانت هذه النماذج لغوية هي الأساس لجميع النماذج الأخرى، أو منطقية ، نماذج بصرية أو سمعية. لكن المشكلة هي أن العقل يظل سجينا داخل هذه النماذج ويفقد الاتصال المباشر بالواقع ويرتب العلاقات بين عناصر النموذج المعرفي التي تنشأ من طبيعة تلك العناصر في المقام الأول دون أن تعكس علاقة واقعية. فما يفعله الفن هو تعطيل التماثل الطبيعي للنموذج المعرفي وتجريده من الزيف ليتصل مباشرة بالحقيقة دون وسيط، سواء كان النموذج لغوياً في حالة الشعر، أو منطقياً في حالة السرد. الفنون، أو البصرية في حالة الفنون التشكيلية…الخ. هذا الإدراك المباشر للحقيقة هو الذي يسبب الشرارة والعجب الإبداعي الحقيقي الذي نشعر به في كل الفن الحقيقي. وهذه في رأيي هي الوظيفة الأساسية للشعر، أما الوظائف الاجتماعية الأخرى فهي تابعة لهذه الوظيفة الرئيسية وفروعها، ولا يعنيني ذلك على أية حال.
هل تعتقدين أن الشعر يعاني حالياً بشكل ما؟
لا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. بدأ الأمر في السبعينيات، عندما بدأت تظهر فجوة كبيرة بين الشعراء والجمهور، إذ بدأ الشعراء يغوصون في التجريب والألغاز، وابتعدوا عن مستوى فهم القارئ العادي، والذوق السائد بشكل صادم في كثير من الأحيان. وفي المقابل بدأ المستوى التعليمي والثقافي للجمهور بالتراجع بسبب الانهيار المستمر للنظام التعليمي وتهميش جميع الأنشطة التربوية الروحية والإبداعية ما هي إلا من أجل التدريس الأساسي. مع تراجع حاد في مستوى إتقان اللغة العربية وتهميشها في سوق العمل والحياة الاجتماعية. ولهذه الأسباب نشأت هذه الفجوة بين الشاعر والمتلقي، وعزوف الجمهور عن قراءة الشعر، مما حفز على ظهور أنصاف الموهوبين مدفوعين بالشلل أو السلطة. لكن الشعر تحول إلى حاجة أساسية لا غنى عنها. أما جمهور الشعراء الذين لم يتفقوا مع الاتجاهات الجديدة فقد استمروا في قراءة الشعر القديم، مما دفع الاتجاه الشعري التقليدي إلى الظهور من جديد كرد فعل طبيعي.
وبالطبع فإن أغلب إنتاج هذا الاتجاه كان ضعيفا ورجعيا، يقلد الشعر القديم، لكن ميزته أنه أعاد الجمهور إلى الشعر، وأدت هذه العودة إلى تجارب شعرية ملحوظة في الجيل الحالي الذي لم يعد شعراؤه ينشغلون به. بصراع الابتكار والشكل الشعري بقدر ما ينشغل كل منهما بفكرة… تحقيق صوته الشعري الخاص.
لو سألتك عن الشعراء المفضلين لديك هل ستخبرني عنهم؟
كل شاعر عظيم قرأته كان بمثابة لبنة في تكويني. وأذكر أنني تعلمت الشعر في طفولتي في المدرسة الابتدائية من ديوان أبو القاسم الشابي الذي كان موجودا في المنزل، وعندما دخلت مرحلة المراهقة أخذ صلاح عبد الصبور بيدي إلى عالم الشعر المعاصر، وما زلت ويعتبر صلاح عبد الصبور أهم شاعر مصري في العصر الحديث.
وفي نفس المرحلة انبهرت بغناء نزار قباني، ثم محمود درويش، خاصة في مرحلته الأخيرة التي أنتج فيها “حالة الحصار”، “لا تعتذر عما فعلته”، “تأثير الفراشة”. و”في حضرة الغياب” وهي المرحلة التي وصل فيها في رأيي إلى قمة الشعر.
وأخيراً وقعت في عالم عفيفي مطر، ولا أزال منغمساً في عالمه الشعري الذي يظهر لي بلا حدود وما زال يخفي المزيد من الأسرار، على عكس الشعراء السابقين الذين توقفت عن قراءتهم منذ سنوات.
هؤلاء هم الشعراء الأساسيون الذين سيطروا على مراحل كاملة من حياتي، وخلال تلك الفترة قرأت الكثير من الشعراء الملهمين، ووقعت في حب تحديداً الشعراء الملعونين الذين تمردوا على مجتمعاتهم وشككوا في قيمها، مثل بودلير ولوتريمونت. ورامبو وبشار بن برد والحطيطة وأبو نواس.
كما أثر بي فرناندو بيسوا، وأذهلتني تجربته في الكتابة تحت أسماء مستعارة مختلفة، كل منها بأسلوبه الشعري المختلف، وهي تجربة فريدة عبر تاريخ الأدب. خلال فترة من حياتي، تعلقت بريلكه، الذي أعتبره تجسيدًا شعريًا لروح كافكا، حتى لو لم يرتبط بالشعر كما اتصل كافكا بالسرد.
ولا شك أنني تأثرت كثيراً بالسياب وأمل دنقل وإليوت ووديع سعادة وعماد أبو صالح، خاصة في ديوانه الشعري الأول “الفريق”، وكذلك فؤاد حداد وعبد الرحيم منصور وغيرهم.
أما الجيل الحالي، فهناك الكثير ممن شقوا لأنفسهم مسارات مستقلة في فضاءات شعرية جديدة، وكثيرون منهم أصدقائي، وشهادتي فيهم ستكون مؤلمة.
- مسرحية تاجر البندقية لشكسبير تدخل السجل الملكي.. ما حكايتها؟
- أوروبا عرفت تعدد الزوجات.. السر فى إمبراطورية "الأفار"
- اليونسكو تتراجع عن إدراج ستونهنج بقائمة "التراث العالمي المعرض للخطر"
لا تتخلى عن الإيقاع في قصائدك. هل ترى أن ذلك ضرورة في الشعر؟
ورغم أن شعر الدف هو ركيزة تجربتي الشعرية، إلا أنني كتبت أيضًا بعض النصوص النثرية ونشرت بعضها في القسم الأخير من «أغاني الليلة السادسة» وكذلك في المجلد غير المنشور، ومنها نصوص نثرية مع النصوص الموزونة. جنباً إلى جنب دون أن تفصل بينهما بعض النصوص تمزج بين الشعر الموزون والنثر في نص واحد، وهذا يعكس إيماني بجوهر واحد للشعر يجمع بين الوزن والنثر.
للإجابة على سؤال الإيقاع، يجب علينا أولا أن نحدد ما هو المقصود بالإيقاع. كل كلام يحتاج إلى إيقاع دلالي وأسلوبي ليقوم بوظيفته…