والدي رغم صلابته كان يجيد العزف على الناي، يبكي ويذرف الدموع، لكن وجهه كان يعكس صلابة شديدة، لم يكن يبدو كذلك… تساءلت في نفسي، وهو يعزف على الناي. الذي كان عنده دائمًا، فحفظه هكذا عن أبيه. أم أن مشاعره وعواطفه هي التي فعلت ذلك؟ ألحانه الحزينة، وكيف يحملها كلها؟ لا يبدو عليه أي أثر للحزن العميق، لأنه دائمًا والدي، الذي أعرفه، المتجهم والصارم، والذي نادرًا ما يبتسم في وجوهنا، كما لو كان ذلك علامة على الأب الصارم. ، أو هكذا أخبروه، فرأى كل من حوله يفعل ذلك، ففعل، ولكني نظرت إليه سراً، وعلى فترات، حتى لا يلاحظني ولا يعرف ما ليس في أفكاري.
أنظر إليه وأراه شخصا آخر غير أبي، ما أراه عندما ينفخ في نايه، ويخرج صوت نايه، مع تلك الألحان أراه في صورة أخرى، وكأن هذا الأب ليس أنا وليس أبا بل ملاك يتحدث مع الكائنات الأخرى حوار حب وشوق. أليس هو أبي، بل شيطان متنكر في هيئة ملاك ليخدعني جسد أبي، فيمتلكه من وقت لآخر. من المستحيل أن أكون والدي. لقد كانت ألحانًا. نايته تترك أثراً عميقاً في نفسي، تثير الحب، وتأخذ مخيلتي بعيداً، تحلق في السماء، ثم تعود إلى الأرض، بعد أن يفرغ والدي منها، لمدة عشر دقائق، قد تمتد إلى نصف ساعة، في عزفه أطول جلساته بالناي، ثم يعود أيضاً إلى ما كان عليه.
كنت صغيرا في ذلك الوقت، وعندما كبرت قليلا، لم أعد أرى والدي يعزف على ألحانه الحزينة، فلم يكن على ابنته أن تراه يعزف على الناي ولكني كنت على ثقة أن والدي لم يتوقف، بل بل اختار المكان المناسب بعيدًا عنا، ليجلس فيه في فترات عزلته، دون… لا أحد يراه أو ينظر إليه. لقد ورثها منا جميعاً أخي الأكبر والأصغر، وكنت أستمع، دون أن يعلم بها أحد، إلى عزف أخي الأكبر، لكنه كان مختلفاً تماماً عن عزف والدي. ولم يكن ماهرًا أيضًا، لم يحمل إلا القليل من ألمه وحزنه، وكان صوته أحيانًا متنافرًا، لا ألفة فيه، وربما بدأ جميلًا، ثم انحرف عن الشعور الذي كان ينقله إليك. بداية اللحن. لقد استمعت إليه دائمًا وانتقدته، في ذهني عليك أن تتصرف بهذه الطريقة مع اللحن، اهدأ هنا، أصرخ هنا، ألغيه، أضف، لم يقدم لحنًا مثاليًا ورائعًا كان يعزفه أبي، أعتقد أن أخي كان يقلد والدي فقط، وليس من باب الحب له. لقد أحب الناي، وأراد فقط أن يكون أبي وأمد يدي إليه وأخرجها من الخوف، ثم ستضعها يدي مرة أخرى، في أسرع منه، خوفاً من عودته، ويرى أنني أمسكه، فيوبخني ويشتمني، وربما يضربني، تركني في مرعى بعيد عن العيون، وقال إنه سيغيب إلى ما بعد الظهر، فأنا في أمان، لا تخافوا. شيء، هكذا قال، غادر وأجلست قطعاني وأراقبها وهي ترعى بمرح وتمرح. كل من وقعت عيناه عليه. وكانت الأشجار ظليلة، وصوت الهواء يتطاير، ويجلب لي النوم والنعاس، ولكن لا يجب أن أنام عني إذا هاجمتني غنمي وأنا نائم. أكلت طعامي، وجمعت الحطب، وأشعلت النار، وأعدت الشاي، مما يساعدني على الاستيقاظ، ويذهب عني النوم، ويزيل هذا الثقل الغريب عن جفني.
- من وحى مسلسل سر المسجد.. تفسير "وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت"
- "ثورة 30 يونيو.. الطريق إلى الوطن" ندوة بدار الكتب بمشاركة ذوى الهمم
شربت الشاي ولكن كان لدي شعور بأن الثقل قد عاد ورأسي ينزلق مني ولم أتمكن من الإمساك به وأعود وأحاول مرة أخرى لأعيده إلى بؤرة ذهني، بجانب ذلك المخرج اللعين، الذي لن يتركني. مددت يدها لتخرج، أخرجتها، وتذكرت أنغام أبي، فانفجرت في ذاكرتي. لم أسمع من والدي منذ فترة طويلة. لقد مر وقت طويل، فحاولت العزف مما أسمعه في كل فترة من حياتي، فما إن غاب أخي وأبي عن نظري حتى التقطت الناي دون خوف أو خوف، حتى أخبرني والدي أتقن والدي العزف على ما سمعته منه، وبدأت أصنع ألحاني الخاصة، أعزف للحياة، وللطيور من حولي، لأحمل أشياء جديدة، للأغنام والماعز، حتى للحيوانات البرية والبرية، لكل ما في ذهني تعال في وحدتي