احتفلت الفنانة الكبيرة فيروز هذا الأسبوع بعيد ميلادها التسعين في 20 نوفمبر 1935. وقضت معظم هذه السنوات في تسلية الناس بالغناء والموسيقى، ومع مرور الوقت أصبحت من أهم فنانات الشرق، فما كانت بدايتها؟
- رحيل الكاتبة إيدنا أول أيرلندية تفوز بجائزة "فرانك أوكانر"
- ما هى أبرز التحديات التي تواجه الأكاديمية المصرية بروما؟.. رانيا يحيي تجيب
- أفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.. كل أطفال العمة هاجر
يقول كتاب “فيروز سفيرة الحب” لحداد زياد جمال تحت عنوان:
في البدء كانت الكلمة…
بدأ العصر الجديد للفن في لبنان مع انتقال عائلة وديع حداد من الشوف إلى منطقة البطريركية في بيروت، واستقرت في هذه المنطقة عدة سنوات، وبسبب ظروف معينة، انتقلت العائلة إلى بيروت القديمة انتقلت إلى منطقة تسمى “زقاق البلاط” في منطقة غافي القديمة كتف بيروت، وسكانها مهاجرون من كل البلدات أرادوا الاستقرار في بيروت بحثاً عن حياة أفضل تعيش عائلة وديع حداد في سكن مشترك من غرفة واحدة، وخدمات مشتركة مع أصحاب الغرف الأخرى. وكان النزل المسمى “الصفسوف” ملكية واحدة مشتركة بين جميع هذه الغرف، أي أن المنزل كان يتكون من غرفة واحدة، معظم حجمها يشغله الفضاء العلوي.
في نوفمبر 1935، كانت نهاد أول من ودّعت والدتها ليزا “إليزابيث” البستاني في حضن والدها وديع حداد، بين هذه المسافة القصيرة في المسافة بين الرحم والحضن، والمسافة الطويلة. بعد المسافة الزمنية، عاشت نهاد حداد بأمان ودفء وحنان، وهو ما انعكس بوضوح في تكوين شخصيتها المستقبلية، رغم أن فيروز لم تحاول تسليط الضوء على هذا الجانب من حياتها في أي مناسبة. لا، ولا رفعه، إضافة إلى المراجع التي تتناول الفن والحياة. لم تمنح فيروز هذه المرحلة مستقبلها، ولكننا نشعر وندرك أهمية تلك المرحلة في حياة فيروز، بالكرامة والتواضع والحنان. هذه هي الصفات التي ميزت فيروز وبلا شك نجحت بامتياز. مدرسة وديع حداد، الأب ذو الأصول السورية، امرأة عربية قديمة، وليزا البستاني الأم، ابنة عائلة عريقة في الأدب، والأدب ليس بمستوى لبنان بل أعلى. المستوى العربي ومن أبناء هذه العائلة هو فؤاد أفرام البستاني صاحب قسم الموسوعات وعبد. والله البستاني هو مؤلف “قاموس البستان”، وتتلمذ على مجموعة من أدباء اللغة العربية مثل خليل مطران، وشكيب أرسلان، وإسعاف النشاشيبي، والأختال الصغير. ومن البستاني: سليمان البستاني مترجم الإلياذة، ووديع البستاني مترجم المهابهاراتا الهندية ورباعيات الخيام. مجال. الثاني من القرن التاسع عشر، صاحب صحيفة “التغيير” السورية وصاحب “محيط المحيط”، وهو أول من ترجم العهد الجديد إلى اللغة العربية، والذي طبع لأول مرة عام 1877، وكان معروفاً لطبعته “البستاني – فاندايك” هذا هو أصل جذور فيروز من جهة الأم، جذور عربية عريقة، متشابكة بالفكر والعطاء، نابعة من تاريخ طويل وعريق.
وفي مقال بعنوان “أنا وأختي”، كتب جوزيف وديع حداد، شقيق فيروز، عن والدته واصفاً كيف قامت بتربيتهما قائلاً: “لقد ربتنا على حب الآخرين، ونحب بعضنا دائماً، كانت هذه كلماتها اليومية لهما”. لنا حتى رحيلها.
وعن الوضع الاقتصادي للأسرة، كتب: “شبابنا كان مليئا بالألم والفقر، لكننا نشأنا بكرامة وعزة نفس”. وقالت نهاد: “لقد وهب الله أختي فضائل الصمت والتحمل وحب الآخرين، وكنت أعتبرها دائما أكثر حكمة وأقوى من طبيعتها الحقيقية”. لقد تجلى اللطف في حقائق بسيطة لا أزال أذكرها عندما وضعت برتقالة خلف المنزل، وأقول لأختي ولي: “من يجلب البرتقالة سيحصل على المزيد من المال يوم الأحد”. بالطبع، شجعني ذلك لاحقاً على إحضار البرتقالة بنفسي، فتغلبت على خوفي، ولم تتوقف هي عن الاعتناء بي، حتى بعد أن كبرنا، في أمسيات الشتاء، ومع مجموعة من الجيران كانت كثيراً ما تدهش الجميع مع غنائها. “كانت أغنية أو أخرى سيئة، وكانت تجعلهم دائمًا سعداء عندما تغنيها.”
- "ثمانية عشر" كتاب يسرد قصص الصعود والهبوط لخمسة من أعظم الأسماء في بريطانيا
- أفضل 100 كتاب في القرن الحادي والعشرين.. كل أطفال العمة هاجر
تستمر كتابة نشأة عائلة وديع حداد، وتتوالى عطايا الحب، وهكذا يولد يوسف وهدى وأماني. وهكذا يكتمل نشأة هذه العائلة بستة أفراد، وكان مسار أفراد العائلة مختلفاً تماماً، فقد اتبعت هدى طريق فيروز، كما هو الحال بالنسبة لأماني ويوسف. لقد اختاروا الحياة العادية.
تنشأ نهاد في جو نقي طاهر وحياة متواضعة تشبه صوت فيروز الحنون. وكان والدها يعمل في صحيفة “الفور” في بيروت التي أسسها المفكر اللبناني الشهير ميشال شيحة. والتي تولى رئاسة تحريرها لفترة طويلة، وشارل الحلو الذي أصبح فيما بعد رئيساً للجمهورية اللبنانية، وكان الراتب الذي كان يتقاضاه وديع حداد متواضعاً جداً كآلة كاتبة، يجمع الرسائل التي أصبحت فيما بعد جيدة ولم يكن يعلم أنه سيأتي يوم. ويعمل هناك العديد من الأشخاص على طباعة الرسائل التي تتحدث عن عمل ابنته نهاد.
تدور الأرض حول الشمس مرات عديدة، ولا تعرف الأسرة ماذا سيحدث لهذه الطفلة، ما هو مستقبلها؟ ولم يكن أفراد الأسرة يعلمون أن من بينهم أكبر وأجمل ماسة خام في هذا العالم، كما لم تعلم هي بهويتها. الطرق، والسفر على الطرق”، كما غنت في أغنية “ليالي الشمال الحزينة”، التي أصبحت فيها فيما بعد صوت الوليد جزءاً من قانون الطبيعة، وإضافة جديدة إلى ساحاتها الجميلة. جمال الشمس وعذوبة القمر وصمت النجوم وصوت فيروز شكّلوا معاً الإطار العام لأجمل لوحة في هذا الكون، لوحة السماء. أصبح صوت فيروز هو روح هذه اللوحة الإلهية الجميلة، ولم يكن أحد يعلم أن الشمس تريد التحدث معها، وأن القمر يريد أن يكون جاره، وكانت فيروز فيها فانوس هذه الدنيا، فكان لها غنت له الكثير من الأغاني، كما غنت للشمس، وإذا كانت أولى خطوات “نيل أرمسترونج” عليها فإن سطح القمر مثل جرح قاس في الجسد الأدبي للرومانسيين كان أفضل اتصال لهذا الجرح، وأعاد تأهيله في عقول وأفكار الرومانسيين وغيرهم. وخاصة العشاق، فغنت له أجمل الأغاني حتى أصبحت جارته العزيزة.
- الشيشان تحظر أنماط الموسيقى الغربية حفاظا على التراث الوطنى
- ما هى أبرز التحديات التي تواجه الأكاديمية المصرية بروما؟.. رانيا يحيي تجيب
قضت نهاد سنواتها الأولى في منزل العائلة المتواضع، تنظر من خلال النافذة إلى هذا العالم، وتجد صعوبة في تفسير الكثير من الظواهر التي تحيط بها. ولم تكن تعلم أنها ستكون فيما بعد جزءاً مهماً وفعالاً ومؤثراً في ذلك، بل ستصبح جزءاً من ضميره الحي وفرداً فعالاً في المجتمع الدولي، ولم تكن تعلم أن صدى صوتها’. ستصبح أيقونة معلقة في قلوب الكثير من الناس، لم تنتصر على البيت والعائلة، ولكن في العالم الميتافيزيقي كان القدر يعمل… المجد لها.
- "ثمانية عشر" كتاب يسرد قصص الصعود والهبوط لخمسة من أعظم الأسماء في بريطانيا
- الشيشان تحظر أنماط الموسيقى الغربية حفاظا على التراث الوطنى
- بطلة مسلسل فراولة تسكن بالزمالك.. نعيمة عاكف أبرز من عاش بالمنطقة
بيت عائلة وديع حداد الذي عاشت فيه فيروز، كان متواضعاً جداً، جدرانه مقدسة، تحميه الملائكة، هبت عليه رياح الطهارة، أشرقت عليه شمس الحب، تزين بلطف أهله. منزل كان المنزل مكوناً من غرفة واحدة، أرضيته عبارة عن طبقة من الإسمنت، كانت تغطي بعض أجزاء المنزل، وتميزت بأسقفها العالية، ونوافذها الواسعة، وكان في هذه الغرفة طاولة للتجمع. أحاط بها أفراد العائلة وشكلوا مسبحة حب. هذه لمحة صغيرة عن المنزل الذي خطت فيه نهاد خطواتها الأولى.
- القسّام.. اسم وسيرة عاشا عمرًا فوق عمر صاحبهما فكيف رثاه الشعراء؟
- "ثمانية عشر" كتاب يسرد قصص الصعود والهبوط لخمسة من أعظم الأسماء في بريطانيا
ومن نافذة هذه الغرفة رأت نهاد النور للمرة الأولى. التي عرفت فيما بعد باسم فيروز، صوت يشق الألماس ويصهر الذهب وينحني لأجمل الكلمات. صوت مشبع بالكبرياء والوقار، متوج بالمجد، يفوح برائحة زهر الأرز.