طه حسين والشيخان.. لماذا كتب عن أبى بكر وعمر؟

كتب طه حسين كتبا كثيرة في التراث، ولكن لماذا كتب عن الشيخين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب نفسه، وهو يجد في نفسه الكثير من الحب والعطف لهما.

يقول في كتاب الشيخين: هذا حديث مختصر عن الشيخين: أبو بكر وعمر رحمهما الله، ولا أظن أن يكون فيه جديد أتحدث عنه. لم أرهم من قبل، فكم كتب عنهم القدماء والمحدثون! وكم كتب عنهم المستشرقون أيضاً! وقد اجتهد هؤلاء وهؤلاء في البحث والتقصي فيما توفر من وسائل البحث والتحقيق، وقالوا هم وهؤلاء كل ما يمكن أن يقال عن الشيخين.

ولو أطعت ما علمت من ذلك لما أمليت هذا الحديث الذي هو على وشك التكرار، لكني أجد نفسي خارج محبتي لهم والعدل معهم، مما يغريني بالمشاركة لبدء الحديث عنهم، وقد رأيتني أتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع، ولقد تحدثت عن عثمان وعلي رحمهما الله، ولم أتحدث عن الشيخين في مكان. محدد لم يتكلموا بطريقة مقتصرة عليهم.

إلا أنني أجد في نفسي إحساسًا بالنقص في أنفسهم، كما أجد في ضميري ذنبًا لاذعًا لهذا النقص.

ومع ذلك، لا أريد أن أشيد بهم، رغم أنهم يستحقون الثناء. مدحهم الناس في الأجيال المتعاقبة، ولا ينفعهم الثناء بعد ذلك، ولا ينفع قارئ هذا الحديث، وكانوا رضي الله عنهم يكرهون الثناء كثيراً ويحزنون منه كثيراً. هو – هي.

ولا أريد أن أذكر بالتفصيل الأحداث العظيمة الكثيرة التي حدثت في أيامهم. وهو أمر طويل، وقد جاء تفصيله فيما كتب عنهم القدماء والمحدثون.

وبعد ذلك فإني أشك كثيراً فيما روي عن هذه الأحداث، وأكاد أجزم أن ما كتبه القدماء عن تاريخ هذين الإمامين العظيمين، وعن تاريخ العصر القصير الذي حكما فيه الأمور . أما عند المسلمين، فهي أشبه بالقصص منها بتسجيل وقائع الأحداث التي وقعت في أيامهم، والتي مهدت للبشرية طريق الحياة.

لقد مجد القدماء هذين الشيخين الجليلين مستوى من العظمة يكاد يصل إلى حد التبجيل لهما، ثم بالطبع أفاضوا عليهما الثناء والثناء على الكذب عليه، وجاء كثير من هذه الأكاذيب من التعظيم والتبجيل، ثم فلا عجب أن يكون تعظيم وتقديس صاحبيه الجليلين هو أيضاً مصدر كذب عليهما.

يروي القدماء الأحداث العظيمة التي جرت في يومهم وكأنهم شاهدوها ورأوها بأعينهم، مع أننا على يقين من أن أحداً منهم لم يراها، فلا شيء أصعب من تأريخ المواقع العسكرية والدقة التامة. والحقيقة كاملة وخالية من الإسراف والإهمال.

ولا يمكن لمن يشهد هذه المواقع ويشارك فيها أن يصفها بهذا الوصف الدقيق والصادق. ولم يروا إلا أقلهم وأسهلهم، ولم يروا إلا ما فعلوه بأنفسهم وما وجدوه، وهذا ما صرفهم عما فعله الآخرون.

فما رأيكم بالجندي الذي يدافع دائماً عن نفسه ويحمي نفسه من المؤامرات التي يحاكها له خصمه؟! هل تعتقد أنه قادر على رؤية ما يحدث حوله، وما يحدث بعيدًا من هجوم ودفاع، وعمل وإحجام؟! مستحيل! هذا مستحيل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top