الثالث والعشرون ذات أيلول.. قصة قصيرة لـ شيماء بن عمر

ضربت قطرات المطر زجاج النافذة المطلة على حديقة المبنى… لفت انتباهها منظر الحديقة وكأنها تراه للمرة الأولى… بدت عارية مقفرة حزينة إلى حد غير عادي… هل من الممكن أنها شاركتها حزن؟

شعرت بإحساس غريب وهي تكتب، فلم تعد تتحمل أن تختنق بكل تلك الكلمات التي لا تستطيع قولها…
إنه أمر مضحك عندما يختنق شخص ما ببضع كلمات، أليس كذلك؟ مضحك حقا ولكنه ليس مستحيلا..
تبحث عن دفتر ملاحظاتها وسط كومة الكتب والوثائق التي غطت المكتب لفترة طويلة.
أخذت القلم وكتبت كلماتها الأولى وعينيها مغمضتين تقريبًا:
“لم يعد بإمكاني العودة إلى الماضي، ولم أعد قادراً على قراءة أحاديثنا مراراً وتكراراً. لقد حفظت كل كلمة عن ظهر قلب، وأتساءل دائمًا كيف يمكن لغياب شخص ما أن يكون حاضرًا بهذه القوة. الآن بسبب رحيلك ضاعت كل جهودي لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وها أنا أقف في محكمة مشاعري أشهد انتشار الظلم بعدالة تامة… ها أنا أشغل نفسي بين كل حين علناً يُنفذ بقلمي، لعلي أجد ذلك السلام الذي يتحدثون عنه.. هيا، هيا، ضاع القلم، ومعه السلام.
وضعت دفتر الملاحظات جانبًا وتنفست الصعداء، كما لو أن حملًا ثقيلًا قد سقط للتو على كتفيها…
لا تعرف ما الأمر.. وكأنها استيقظت من نومة طويلة.. أو ربما في غيبوبة..
بدأ المطر يزداد غزارة في الخارج، وعادت إلى مكانها أمام النافذة المطلة على حديقة المبنى.
عادت تحدق في منظر الحديقة.. جرداء مقفرة وحزينة.. وكأن الحديقة لا تريد أن تنتهي على الإطلاق.. وكأنها قد نسيت إلى الأبد..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top