تحل اليوم ذكرى فوز الأديب المصري الكبير نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب، ليصبح أول مصري وعربي يفوز بهذه الجائزة المرموقة، التي تعتبر أهم وأرقى جائزة عالمية، وذلك في 13 أكتوبر 1988. وفي ضوء هذا، نستعرض لكم كيف تلقى مؤلف جائزة نوبل خبر فوزه بالجائزة.
- نشروا لك.. نسمات الفجر وأتحدث باسمك ككمان أبرز الإصدارات
- مفاهيم أساسية في الإسلام .. الاعتكاف - اليوم السابع
- الجمعة الحزينة.. خيانة يهوذا تذهب بالمسيح إلى الصلب
وبحسب ما جاء في كتاب صفحات من مذكرات نجيب محفوظ للكاتب الكبير رجاء نقاش، يقول رجاء نقاش في كتابه وبكلمات نجيب محفوظ: لم يكن من بين أحلامي الفوز بجائزة نوبل للآداب، ولم أطمح إليها يوماً، وقد أعجبت باهتمام الكتاب العرب بها، وقد يكون ذلك لأسباب عديدة منها: نحن جيل نشأ مع “مجمع الخواجة” الذي. عقدة خلقت في نفوسنا نوعاً من عدم الثقة في قدراتنا، خاصة أن تلك الحقبة كانت مليئة بالكتاب العملاقين. العلماء العالميون، الذين كانوا بالنسبة لي يمثلون أيقونات وأساتذة مثل: برنارد شو، وتوماس مان، وأناتول فرانس، وجان بول ستار، وألبير كامو. وكان لدينا أيضًا كتاب عمالقة مثل عباس محمود العقاد، الذي كنت أستحقه عن جدارة. الجائزة، وربما تتفوق في موهبتها بالأرقام على الكتاب الذين فازوا بها، لم تكن في ذهني جائزة نوبل قط، وأشكر الله على ذلك. كان لي “حرقة” أن أتابعها كل عام، أو أنتظر مجيئها، وحتى يوم إعلان الجائزة، الخميس 13 أكتوبر 1988، لم يكن لدي أي توقع للفوز بها صحيفة “الأهرام” كالعادة، وجلسنا مع الأصدقاء والزملاء، وتحدثنا في مواضيع مختلفة، من بينها “جائزة نوبل” المتوقع الإعلان عنها في ذلك اليوم، وأخبرتهم أن على الواجهة ما يلي. صفحة “الأهرام” غدا الجمعة خبر بسيط عنها كالعادة. نحن نعرف من فاز بها! عدت إلى المنزل، وكانت زوجتي بمفردها، بزي المطبخ، وكادت أن تنتهي من إعداد الغداء، بينما كانت ابنتاي في العمل، تناولت الغداء وذهبت إلى عرفة للراحة. ولم تمر إلا دقائق قليلة حتى وجدت زوجتي توقظني من النوم بقلق: “يا جماعة، يا جماعة، الأهرام اتصلت فيكم وقالت لي إنك فزت بجائزة نوبل!”.
فاستيقظت غاضبا جدا، فكلام زوجتي لم يكن سوى هلوسة خاصة بها، لأنها منذ عدة سنوات كانت تتحدث باستمرار عن جائزة نوبل وحقي في الفوز بها، وأخبرتها أنني آمل أن “تعقل” و وأفهم أن الحصول على جائزة نوبل لم يكن سهلاً، وأنا لا أفكر فيها أيضاً، ولا أتمنى أن تعرض قصتها أمامي، أو أن أفكر في أن يحدث لنا مثل ذلك الذي في كتاب “ألف وواحد”. “حدثت ليلة، بمفاجآت خيالية، وبينما كنت أتحدث مع زوجتي، رن جرس الهاتف، وكان المتحدث هو السيد محمد باشا الصحفي بجريدة الأهرام، وهنأني: “مبروك، أستاذ!” فقلت له: خيرًا إن شاء الله. “يا إلهي”، أخبرني أنني فزت بجائزة نوبل، لكنني لم أصدقه، فناول الهاتف للأستاذ سلامة أحمد سلامة، رئيس تحرير الأهرام، الذي كلمني بصوت كامل. بفرحة: “مبروك يا أستاذ.. شرفتنا” و”حصلنا على نتائج جائزة نوبل وفزت بجائزة الأدب”.
حتى تلك اللحظة كنت أظن أنها مجرد مزحة للأستاذ محمد باشا، وأنه ربما يريد أن يمزح علي مزحة باردة، فيستعين بمن بجانبه يستطيع تقليد صوت الأستاذ سلامة. أحمد سلامة، ولكن لم تمر سوى دقائق معدودة؛ جلست في سريري في حيرة وعدم تصديق، حتى رن جرس باب الشقة، وفتحت زوجتي الباب وهي لا تزال بملابس المطبخ، ودخل رجل طويل القامة مع مجموعة من رفاقه، قمت من السرير ونهضت ودخلت المطبخ. القاعة وأنا أرتدي بيجامتي، ونظرت إلى الرجل الذي ظننت أنني بدأت العمل الصحفي فيه، وفوجئت عندما قدمه لي أحد رفاقه: “صاحب السعادة، سفير السويد وزوجته.”
وقد هنأني السفير بالجائزة وقدم لي هدية رمزية عبارة عن كوب زجاجي شبيه بصناعة خان الخليلي. استأذنت منه ودخلت غرفتي وارتديت البدلة لأنني كنت على يقين من أن الأمر جدي، وما إن غادر السفير السويدي في القاهرة حتى تحولت شقتي الصغيرة إلى ما يشبه السوق. كان هناك صحفيين ومصورين، والفرحة العارمة في المكان لا تتوقف عن الرنين، وأحياناً أجيب نفسي، وأحياناً يتولى الأمر، فأجابني صديق أو أحد الصحفيين الذي كان معي في المنزل، ‘سيل من الأسئلة، و لقد أجبت على أكبر عدد ممكن من الأسئلة في مثل هذه الحالة الطارئة التي لم أفكر فيها من قبل. كانت زوجتي مرتبكة للغاية لأنها كانت بمفردها في المنزل وحاولت أداء واجب الضيافة قدر استطاعتها.