سمير مندي، أحد أبرز نقادنا في مشهدنا النقدي المعاصر، صاحب كتابات عميقة ذات طابع علمي أصيل ولغة أدبية ممتعة ومنضبطة، بينما يعمل جاهدا على تطوير مشروعه النقدي، خاصة في مجال السرد، الذي ساهم فيه ألف عدداً من الكتب الجديرة بالتوقف والتأمل.
- رئيس قصور الثقافة يشهد حفل تخرج المخرجين الجدد وتوزيع جوائز مسابقة الكاتب المصرى
- جنازة طير.. معاناة الأطفال مع الحروب بعمل أميرة أيوب في صالون الشباب
- الشاعر الفلسطينى سامر أبو هواش يفوز بجائزة سركون بولص
والحقيقة أن إحدى أزمات جيلنا الناقد تكمن في أن معظمنا لا يهتم بقراءة ما يكتبه الآخرون، وإذا قرأنا فهي قراءة سريعة عابرة، مكتفين بـ “لتمرير”. تحية أو تعليق على صفحات التواصل الاجتماعي.
في رأيي أننا في هذه اللحظة الثقافية المشوشة نحتاج إلى “الحوار”، “التأمل”، “الحب” الذي يتجه نحو الآخر، متحرراً من دوائر الأنا المتعالية، متحرراً من نزعات “الإقصاء”، ” “التهميش” أو “التقليل من شأنه” والتفكير مرة أخرى في جدوى العمل الجماعي والتفكير في المشاريع الأدبية والنقدية الكبرى ربما ننهض من اكتئابنا الثقافي ونساهم ولو بدور صغير في دور واحد أو أكثر. معنى آخر أو سد الفجوة.
المرايا المقابلة” src=”https://img.youm7.com/ArticleImgs/2024/7/17/103289-opposite-mirrors.jfif” style=”width: 350px;” title=”المرايا المقابلة”>
المرايا المقابلة
- معركة أرسوف.. بين سماحة صلاح الدين الأيوبي وغدر ريتشارد
- الشاعر الفلسطينى سامر أبو هواش يفوز بجائزة سركون بولص
أعلم أنني ربما قد بالغت في المقدمة وخرجت عن السياق، لكني في الوقت نفسه أجد أنني قد اقتربت من هدفي، محاولا تسليط الضوء على “كتاب المرايا المتضادة”، قراءة سردية قطع، للناقد د. سمير مندي، إذ أن هذا الجهد المنهجي المتميز لفت انتباهي منذ بداية قراءتي للكتاب في محاولته اعتبار فكرة دور “النص” فلسفية وسردية ونقدية. رسالة ذات معنى، إضافة إلى تأكيدها على اتساع معنى “النص” بظلاله الأدبية الفنية التي… تتجاوز المكتوب إلى رموز واستعارات المرئي والمحسوس والمسموع؛ وهو ما يعكس رغبة حقيقية في الخروج من “سجن النظام” إلى “الفضاء العالمي” بمعناه السردي الأوسع، حيث يربط السرد الآن ويتخلل جميع جوانب النشاط البشري. واعتمد سمير مندي في رؤيته على ثنائية التراث والمجيء الغربي، كما اعتمد على ثنائية النقد والسرد الحديث، من خلال تأمله في بعض آراء جابر عصفور وبعض أعمال نجيب محفوظ.
ويتمثل حضور الموروث عند سمير مندي في العودة إلى الجذر الفلسفي عند الفارابي في رؤيته الفلسفية بالمرجعية الإسلامية وتفعيله لدور الخيال إلى جانب العقل، من خلال شرح معنى المصطلح . والأقوال الشعرية التي تتجاوز حدودها إلى جنس الشعر وتلتقي بمفهوم الشعرية عند أرسطو في مقارباته للملحمة والمأساة والكوميديا، ومن ثم الإشارة إليها. تمثيل الفلاسفة والصوفية أفكارهم من خلال القص والرمزية، كما نرى في قصة حي بن يقظان من خلال المعالجات الثلاثة لابن سينا، ثم ابن طفيل، ثم السهروردي، الذي كتب القصة تحت عنوان “غريب” يعالج “المنفى”، ثم يشير إلى دور ابن عربي في تحرير مفهوم الخيال وإعطائه ظلالا معرفية واضحة (في سياق تحول الفلسفة إلى التصوف دوافعه أسباب مختلفة أهمها كتاب أبو حامد الغزالي: تهافت الفلاسفة والمنقذ من الضلال).
ويتجلى وعي سمير مندي بالشتات الغربي من خلال تفاعله وتمثيله العميق لتجربة بول ريكور في تطوير مفهوم السرد وتوسيع مجالاته ومجالات معرفته، خاصة أن ناقدنا له تاريخ طويل وتجربة مميزة في التعامل مع ريكور، وقراءته بلغته الفرنسية التي أتقنها وترجمها. وهذا واضح في كتابيه: “الذاكرة والسرد”. عدد كبير من النقاد والفلاسفة التفسيريين، مثل هانز جورج. غادامر، ورولاند بارت، وجاستون باشلار، وجيل دولوز وغيرهم، بالإضافة إلى إلمامه بالمشهد النقدي العربي المعاصر -ككاتب ومترجم- من خلال جناحي: السرد من جهة، والقراءة والتفسير من جهة أخرى.
- رحيل شمس الدين الحجاجى.. وحسين حمودة: رحل الأب المعلم
- رئيس قصور الثقافة يشهد حفل تخرج المخرجين الجدد وتوزيع جوائز مسابقة الكاتب المصرى
- عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب.. الخميس
غلاف المرآة
وأخيراً، تأمله اللافت في بعض تجارب نجيب محفوظ الحاسمة: المتسول والطريق والتنظيم السري، في ضوء علاقتها بتراثه الفلسفي الإسلامي، إذ هي المهيمنة بمحدداتها البنيوية الرئيسية، بالإضافة إلى وقفتها أمام تجربة جابر عصفور، إما في رؤيته الشاملة للتراث باعتباره “حقلاً معرفياً كبيراً تتبادل تحت مظلته حقولاً أصغر من المعرفة” أو في رؤيته الخاصة للصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي عند العرب وثقته بظاهرة «الخيال العقلي» عند الشعراء القدماء، يتجاهل الصوفية المتوارثة، ويتأثر بالمدرسة البنيوية التي تنزع إلى التخلص من الهوامش التي تنحرف عن الأنماط.
وبالإضافة إلى تفسيره الذكي في سياق التعامل مع النقاد الفلسفيين، فقد علق على كامل مشروع زكي نجيب محمود كحوار حضاري مع قصة حي بن يقظان، مؤيدا تفسيره بالرجوع إلى الأدلة النصية التي تمثلها زكي نجيب. اقتباسات محمود كثيرة من قصة حي بن يقظان.
ويؤكد الكتاب في عمقه المعرفي أهمية العلاقة بين النقد والفلسفة من جهة، والخطاب الأدبي والخطاب الفلسفي من جهة أخرى، ويقدر النظريات الفلسفية التي قدمت نقلة نوعية للنقد الأدبي والتي أبعدته عن انطباعات وتأملات، مشيرًا في ذلك السياق إلى دراسات سارتر ولوسيان جولدمان وتشارلز مارون عن المؤلفين والظواهر الأدبية على حد سواء، وأخيرًا هي رحلة منهجية قام بها الجدي، مما دفع القارئ المثقف إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم والمصطلحات. مثل السرد والنص والتفسير. الفلسفة والتصوف، التاريخ والذاكرة، النسيان، الحقيقة، اللحظة الحرجة، التنافر والائتلاف، الحضور والخفاء، الكوجيتو المفقود، الزمن التاريخي والزمن الكوني من خلال تنقل الناقد بين مجالات معرفية متعددة يسعى إلى توسيع نطاق البحث المنهجي. متماسكة. مناهج نقدية، وفي الوقت نفسه تؤمن بأن كل عمل أدبي عظيم، فهو يحتوي على رسالة تأملية يجب على الناقد الحصيف أن يحاول الكشف عنها.