مقدمات الكتب.. ما قاله مارك ريدلي في مفتتح "كيف تقرأ داروين؟"

بواسطة /

ونواصل معًا قراءة مقدمات الكتب فهي تكشف الكثير عن أفكار المؤلف وأسباب كتابته، ومن بينها مقدمة كتاب “كيف تقرأ داروين” للكاتب مارك ريدلي، ونعتمد على الطبعة الصادرة. لـ “الهنداوي” ترجمة نهى صلاح، مراجعة هبة عبد العزيز غانم؟

يقول الكتاب:

مقدمة

كيف يمكننا أن نقرأ داروين؟ كان داروين شخصية تاريخية أحدثت ثورة في علم الأحياء، وكان لتأثيره صدى في جميع أنحاء الثقافة الحديثة، ليس فقط في علم الأحياء، ولكن في الفلسفة والعلوم الإنسانية واللاهوت وهندسة البرمجيات والأدب والفنون البصرية.

ولذلك فمن المنطقي أن نتناول العلاقة بين ما كتبه داروين والموضوعات المهمة في الفكر الإنساني. كان داروين أيضًا صاحب عقل فريد. لذلك من الرائع أن تقرأ عنه، وبغض النظر عن تأثيره التاريخي، يمكنك أن تقرأه كما لو كنت تجري معه محادثة خاصة.

إنه لمن دواعي سروري أن تتواصل مع مثل هذا العقل، وسرعان ما تتعلم كيف كان يفكر؛ كان يحب جمع كل الحقائق التي يستطيع جمعها من مجموعة متنوعة مذهلة من المصادر، وكان يحب تطوير نظرية عامة مجردة تعطي معنى للجوانب الأساسية للموضوع الذي كان يتعامل معه، وكان يتعامل مع جميع المشكلات بأمانة فكرية لا مثيل لها. .

يعتبر داروين كاتبًا غزير الإنتاج. فهو لم يكتب واحدًا من أكثر الكتب تأثيرًا في كل العصور فحسب، وهو أصل الأنواع، ولكنه كتب أيضًا مجموعة من الكتب الأخرى حول مواضيع متنوعة مثل الشعاب المرجانية والحرائق وديدان الأرض وبساتين الفاكهة وغيرها. كتاب سفر يعتمد على رحلته على متن السفينة البيجل، وكذلك سيرته الذاتية.

لقد خصصت معظم المساحة هنا لكتاب أصل الأنواع؛ لذلك أوليت اهتمامًا أقل مما كنت أود لبقية أعماله، وناقشت أيضًا ما هو على الأرجح ثاني أشهر كتبه، أصل الإنسان، وأخذت مثالاً من التعبير عن العواطف لتوضيح الفكرة الأساسية لتوضيح ذلك.

هل يجب أن نقرأ كتاباته من وجهة نظر تاريخية أم علمية؟ من الناحية العلمية، ألهم داروين قدرًا هائلاً من الأبحاث، وكان تأثيره أكبر من أي شخص آخر. وقد أضاف العلم الحديث العديد من الاكتشافات اللاحقة حتى إلى أصغر ملاحظات داروين المكتوبة، ومعرفة ما إذا كانت نظرياته تعتبر صحيحة بعد 150 عامًا من الدراسات اللاحقة.

أما بالنسبة للقراءة “التاريخية” لداروين، فإن هدفي هو الدخول إلى عقل داروين لفهم طريقة تفكيره، والمنهج المفضل لدي هو اتباع خطى الفيلسوف والمؤرخ آر جي كولينجوود، الذي اقترح أنه ينبغي علينا أن نسعى إلى فهم الأسئلة التي يطرحها الناس، قد لا تكون الأسئلة التي تدور في ذهنهم واضحة، ولكن إذا تمكنت من اكتشافها، فإن بقية عملهم يميل إلى أن يكون أكثر منطقية عندما نواجه طوفان من الأدلة التي تدعم أفكار داروين، مأخوذة من مجالات متنوعة مثل الزراعة والجوانب الأقل استكشافًا. في مجال التاريخ الطبيعي، يجب علينا أن نطرح السؤال الذي طرحه داروين على نفسه وحاول الإجابة عليه. عندما نرى حجة مجردة، نحتاج أن نسأل ما هو السؤال الذي تريد الإجابة عليه. بهذه الطريقة يمكننا أن نفهم ما فكر فيه الناس في الماضي. تجبرنا طريقة كولينجوود على الانخراط بنشاط في القراءة، والبحث عن المعنى في النص بدلاً من القراءة السلبية على أمل فهم شيء ما.

لن يرغب العديد من القراء في فهم أفكار داروين إلا في سياق العصر الذي عاش فيه. إن أفكار داروين أكبر من أن تُترك للمؤرخين وحدهم. كما أنها مؤثرة جدًا اليوم؛ لذلك أفضل أيضًا قراءته من منظور حديث. على سبيل المثال، أصبح فهم داروين التفصيلي للوراثة مرفوضًا عالميًا، وتم استبداله بعلم الوراثة. ومع ذلك، فإن ما نعرفه الآن عن علم الوراثة والحمض النووي يدعم أفكار داروين الرئيسية، وأظن أنه كان سيسعد بهذه التطورات. ولذلك، فمن المنطقي بالنسبة لمعظمنا أن يفهم أفكار داروين التطورية من حيث علم الوراثة وليس من حيث نظريات داروين في الوراثة.

بالنسبة للقارئ المعاصر، يتمتع داروين بميزة هائلة على كل كاتب علمي عظيم آخر، وعلى العديد من الكتاب العظماء الآخرين بشكل عام. ليس هذا مهمًا فحسب، بل من السهل أيضًا قراءة أعماله. لقد كتب للقارئ العادي في عصره، وتحتوي كتاباته على القليل من التفاصيل الفنية ولا تحتوي على الرياضيات. فإذا حاول غير المتخصصين قراءة أعمال كوبرنيكوس أو نيوتن أو أينشتاين؛ وعلى الأرجح أنهم لن يفهموا الكثير مما يقال، على الرغم من جهودهم الكبيرة في محاولة الفهم. وبالمثل، هناك العديد من العلماء الجدد الذين هم بلا شك مهمون، ولكن أقلية فقط من الخبراء يمكنهم فهم أبحاثهم. داروين يكاد يكون استثناءً فريدًا في هذا. لقد تمت كتابته في وقت كان فيه جمهور واسع من المتعلمين مهتمًا بالأسئلة العلمية الكبيرة. كان العلماء الأوائل يميلون إلى الخوض في التفاصيل التاريخية. يميل العلماء الجدد إلى الخوض في التفاصيل المتخصصة والتقنية. لذلك لا يستطيع معظمنا استيعاب الأفكار العلمية الكبيرة إلا من خلال الكتاب التربويين أو الكتاب الذين يبسطون العلوم لعامة الناس. قد يكون هؤلاء المؤلفون جيدون جدًا، لكنهم لن يكونوا مكافئين أبدًا للقراءة مباشرة من النص الأصلي: وفي حالة كتاب داروين حول أصل الأنواع، يمكننا أن نفعل ذلك على وجه التحديد.

اخترنا لك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top