ولم يحقق أي فيلسوف مسلم ما حققه ابن رشد من شهرة وجدال ونقاش حول آرائه وفلسفته وفقهه. لكن المؤكد أن تأثير الوليد بن رشد كان عظيماً وواسعاً، ولم يقف عند الحدود. وليس الدول الإسلامية وحدها تشهد على تأثيره وعظمته، بل الغرب الأوروبي.
ورغم أن ابن رشد كان من كبار مفكري وعلماء القرن الثاني عشر ومن أكثر الأشخاص تأثيرا على الحركة الفكرية في أوروبا، إلا أن الكثير من الفلاسفة والمفكرين الأوروبيين من أبناء جيله اعتمدوا على أبحاثه وكتاباته على مدى خمسة قرون ، لم تخذل الوليد بن رشد الشدائد والمصائب، ولكن يبدو أن مصيبته الكبرى هي حرق كتبه وخلافه مع الخليفة الموحدي أبي يوسف يعقوب.
- مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة يستقبل 8 آلاف زائر ويمنح الجوائز للفائزين
- اعرف موعد الإعلان الرسمى عن اسم الفائز بجائزة البوكر 2024
وقد تعرض لمحنة عندما نفاه أبو يوسف يعقوب. ولما توفي أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي، زادت مكانة ابن رشد في عهده وارتفاعه وقربه منه. وكاد المقربون من الأمير أن يفقدوه، فأمر الأمير بنفيه هو وتلاميذه إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود، فأحرق وأصدر تعميما إلى جميع المسلمين يمنعهم من قراءة كتب الفلسفة. فلماذا انقلب عليه الخليفة الأندلسي في آخر أيامه؟
دكتور. ويرى محمد لطفي جمعة في كتابه “تاريخ فلاسفة الإسلام” أن سبب النكبة محل خلاف، وقد فسرها المؤرخون بأسباب مختلفة، ولكن السبب الحقيقي واحد، وهو أن كل رجل حكيم ذو مكانة قد كثير من الأعداء والحاسدين الذين يغارون على شهرته وينتقمون منه بسبب كعبه العالي وتمجيده، وهؤلاء الحاسدون تظهر المقاومات تارة باسم الدين وتارة باسم الأخلاق والأخلاق. الفضيلة، وأحيانا باسم السياسة. الحقيقة هي أنهم أعداء شخصيون للرجل العظيم.
ويوضح الكتاب أعلاه ما حدث في كارثة ابن رشد، حيث ارتدى أعداءه زي الدين وتآمروا عليه في بلاط الخليفة، ونجحوا، حتى أصبحوا حزب الفلاسفة الذي كان شائعا وسمعه الخليفة بسبب ابن رشد له، وكان ذنبهم في نظر الخليفة وحزبه تركوا الفلسفة ودرسوا كتب القدماء.
ويبدو أن الخليفة عاد إلى رشده، وعلم بحقيقة المكائد التي دارت بينه وبين ابن رشد، كما قال د. وأشار محمد لطفي جمعة في كتابه إلى أن الخليفة بعد طاعة ناصح السوء عاد وندم على ما فرط في حق الحكماء والحكماء، فعاد إلى مراكش والمنشور الذي أذاعه منسوخ في حق ابن رشد وأصحابه. فمحا آثاره وانشغل بالفلسفة، ودعاهم إلى حضرته وقربهم منه. فاحتضنهم، وقدمهم، واستمع إليهم، وأطاع رأيهم، ونبذ حزب التعصب والجهل الذي كان سببا في مصيبتهم.